إن الاستقرار هو تاج الدولة الحصين، وأهم ما تبحث عنه، وإن وجد، فهو من أهم إنجازات قياداتها، ذلك ان كل موارد الدولة، مهما كان غناها، ليست سوى كائنات معطلة، لا يمكن استخدامها، ما لم يكن هنالك استقرار، توفره إدارة سياسية واعية لمتطلبات التاريخ، والجغرافيا، والمجتمع، تستطيع أن تحول هذه الموارد، إلى منصات وفرة، تزيد من رفاهية الشعب، وتقوي أسس الدولة.
بالنظر إلى الخريطة العالمية، سترى أمامك كيف فشلت دول، وأنهكتها الاهتزازات، رغم أنها تملك موارد غنى لا تحصى. من كان يتوقع أن عراق الأنهار يعطش، وفنزويلا النفط تفلس، وليبيا السواحل تتقسم، وإيران الغاز تنهار، وتركيا الخضراء تهتز. إنها نتاج فشل إدارة ما، في توفير الاستقرار اللازم للقيام بعمليات تنمية وتطوير، يمكن من خلالها استغلال الموارد، وتحويلها إلى مكاسب تفيد البلاد.
وهنا تفهم السر الذي مكّن المملكة العربية السعودية من البقاء في منطقة يصعب البقاء فيها. منطقة تزنّر خاصرتها الحرائق، ولم تعش حالة استقرار منذ عقود. أنظمة جاءت وذهبت. زعماء كانت قذائفهم المايكروفونية تملأ العالم العربي. كلهم ذهبوا وبقيت السعودية، دولة كبرى في الشرق الأوسط، تحولت من مجرد صحراء، وتيه، وقبائل متناحرة، إلى واحدة من أكبر عشرين اقتصادًا في العالم.
إن السر السعودي ليس سرًا. إنه وضوح الرؤية في منهج الإدارة التي تضع من الاستقرار أولوية الأولويات، ثم البناء عليه لتنفيذ التغيير المتدرج، الذي يتوافق مع رغبة الأغلبية الجامعة في البلاد. إنها رغبة جمعية توضح سلّم الأولويات الذي تبني عليه الدولة رؤيتها للمستقبل.
لقد تمكنت المملكة في وقت بسيط نسبيًا في عمر الدول، أن تحقق نسبة نمو ضخمة، وحراكًا تنمويًا لافتًا، في وقت عجزت فيه دول ذات موارد، وخبرات، أن تحافظ على بقائها، واستقرارها، وهكذا تضعضعت مكانتها في الحاضر، رغم أن الماضي كان يحكي عنها الكثير، ولآلاف السنين.