في تعاملنا مع الآخرين، هناك أشياء تؤذي مشاعرهم، وأمور تنكأ جراحاتهم. هناك ما يكدّر صفو تفكيرهم، فكان الجمال مراعاة مشاعرهم. تحت عنوان الظرافة المزعومة يُساء للناس. تحت لواء «ما في قلبي على لساني» نضع الآخرين في مواقف محرجة، وبحجة الصراحة في غير موضعها نتسبب في كراهية الناس لنا.
* في الحديث:
«لا تُديموا النظر إلى المجذومين».. حتى المُبتلى ليس بحاجة إلى نظراتك، ولابد أن نعلم أن ذلك يؤذي مشاعره!
* ارتحل الحسين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو ساجد يصلي بالناس، فأطال السجود، وقال: «فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته».. حتى الصغار تراعى مشاعرهم!
* وفي الحديث «لا يقولنّ أحدُكم: خَبُثت نفسي ولكن ليقل: لقسَت نفسي». حتى نفسك عليك أن تحترم مشاعرها، مع معلومية أن «لقست وخبثت» بمعنى واحد، وإنما كره - صلى الله عليه وسلم - اسم الخبث فاختار اللفظة السالمة من ذلك، وكان من سنّته تبديل الاسم القبيح بالحسن.
* «سيدخل عليكم عكرمة بن أبي جهل مسلمًا، فإياكم أن تذكروا أباه أمامه بسوء».. درس نبوي وتربوي في مراعاة مشاعر الناس حتى لو كان آباؤهم منحرفين، فلا تزر وازرة وزر أخرى.
* وروي عن الحسن والحسين -رضي الله عنهما- أنهما وجدا رجلًا لا يحسن الوضوء فأرادا أن يعلّماه بطريقة فيها مراعاة لمشاعره، فطلبا منه أن يحكم بينهما في الوضوء أيهما يتوضأ أحسن من صاحبه، فتوضآ أمامه، فاكتشف الرجل خطأه!
* قال عطاء بن رباح «إن الرجل ليحدثني بالحديث فأُنصِت له كأن لم أسمعه قط، وقد سمعته قبل أن يولد».. أدب جميل يليق بالعقلاء، ويا لرداءة الذين يقاطعون الناس، ولا يحترمون كبيرًا أو صغيرًا!
* كان لبعض القضاة جليس أعمى، وكان إذا أراد أن يَنهض يقول: يا غلام اذهب مع أبي محمد، ولا يقول: خذ بيده.. الرائعون يختارون كلماتهم بعناية!
* أخذ بعض الصحابة فرخي حمرة (حمامة برية)، فجاءت ترفرف حولهم فقال النبي الكريم: «مَن فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها». وفي الفقه، من مكروهات الذبح أن تذبح الذبيحة أمام أختها، وأن تُحدّ السكينة أمامها. حتى الحيوان له مشاعر وينبغي أن تُحترم.
* قفلة:
«إن الله جميل يحب الجمال».. جمال الروح والأخلاق أولى من جمال الشكل.. وطهارة اللسان والقلب لا تقل عن طهارة الثياب.. جمال الروح والأخلاق والقول جمال خالد وسلوك عذب وجذاب!