DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

حمى كأس العالم لكرة القدم

حمى كأس العالم لكرة القدم
لم تفتر بعد حمى كأس العالم الأخيرة لكرة القدم، التي أقيمت في روسيا، وفاز بتلك الكأس الفريق الفرنسي الذي لم يكن يتوقع فوزه به أكثر المتفائلين من أنصاره قبل أن يصل إلى دور الأربعة الذي غادره أقوى المرشحين. وكان أسعد العالم بتلك النتيجة هو المدرب الفرنسي دوشامب، الذي فاز لاعباً في المنتخب الفرنسي بنسخة 1998م، وبالطبع يشاركه السعادة لاعبو المنتخب الفرنسي، الذين حققوا مجداً شخصياً لكل منهم ووطنياً لبلدهم الذي لعبوا تحت رايته. وبكل تأكيد لا يقل عنهم فرحاً وفخراً الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي شاهده العالم يصفق ويرقص طرباً لذلك الانتصار من على منصة الملعب، ثم تابعه ملايين المشاهدين وهو يقلد اللاعبين ميدالياتهم ويعانقهم ويفرح معهم تحت المطر الشديد، الذي لم يسع المضيفون الروس عند هطوله إلا لحماية رئيسهم بوتين، ثم التفتوا لضيوفهم الكبار (الرئيس الفرنسي ورئيسة كرواتيا ورئيس الفيفا) بعد أن أصبحوا يقطرون ماء من كل مكان.
وقد سعى الكروات بكل جدية وعزيمة إلى تتويج فريقهم بكأس هذه اللعبة الشعبية العالمية، من أجل أن يحققوا زخماً إعلامياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً؛ يساعدهم على بناء سمعة بلدهم أوروبياً وعالمياً. لكن الفرنسيين كانوا أكثر حنكة ودهاء، مما جعلهم يحققون ذلك المجد، ويحتفلون بفريقهم في باريس بوصفهم أبطالاً وطنيين. فما الذي جعل شعبية هذه اللعبة، التي ابتكرها البريطانيون قبل قرابة مائة وخمسين عاماً، تكتسح العالم، وتصبح أقوى وسيلة إعلامية واقتصادية (وتبعاً لذلك القوة السياسية والتماسك الاجتماعي في الأوطان)؟
في الواقع إن البريطانيين كانوا قد ابتكروا أيضاً لعبة الكريكيت، التي تفوقت فيها بعض شعوب المستعمرات البريطانية السابقة، مثل الهند وسريلانكا وأستراليا وبعض البلدان الأفريقية. لكن هذه اللعبة بقيت شعبيتها ضئيلة، ولا تقام لها مسابقات عالمية تشترك فيها أغلب بلدان العالم، وتسعى للتنافس على المواقع المتقدمة في مسابقاتها العالمية والقارية، كما هي الحال في لعبة كرة القدم. والأمر نفسه ينطبق على كرة السلة والبيسبول، التي طورها الأمريكيون، وقد أصبح للأولى منهما مسابقة عالمية، لكنها محدودة الأهمية، أما الثانية فبقيت محلية خالصة. وكذلك ينطبق على كثير من الرياضات ذات الاهتمام المحلي أو الإقليمي في عدد من مناطق العالم، كالشطرنج (ذات التاريخ العريق) والمصارعة وبعض الألعاب الأولمبية التي يهتم بها الناس في أيام مسابقاتها النهائية، لكنها لا تستحوذ على الاهتمام وتصرف عليها الأموال الطائلة، مثلما هي الحال في كرة القدم.
وقد تبادر إلى ذهني سؤال كان يؤرقني منذ أمد بعيد، هو: لماذا لم يستطع البشر الآخرون في العصر الحديث أن يبتكروا لعبة أخرى طيلة هذه العقود الطويلة؛ تكون أقل عنفاً وأكثر جاذبية من لعبة يستمر زمنها ساعة ونصف الساعة أو أكثر، دون أن تكون الإثارة فيها إلا لمرة أو مرتين في أغلب مبارياتها، وتكون مملة في عدد غير قليل منها؟ أطرح مثل هذا السؤال، لما أرى من تحوّل هذه اللعبة من فن ورياضة بدنية وتسلية للجمهور إلى صناعة لأصحاب رؤوس الأموال من ملّاك أندية ومعلنين ومضاربين وأصحاب قنوات رياضية لنقل مبارياتها، على حساب المشاهدين المغلوبين على أمرهم. فلم تعد المتعة هي التي تحدد تشكيلة الفرق وطرق اللعب وسير المباريات، بل الحسابات المعقدة للأرباح والخسائر، التي يحققها الفريق الكروي وطوابير المخططين والمنتفعين من خلفه، أو الأهداف المعلنة أو غير المعلنة لتوزيع بطاقات استضافة المونديال العالمي كل أربع سنوات، وما يجري في كواليس تلك المنظمة العالمية واتحاداتها القارية من مساومات وفضائح بعضها يظهر للعلن، وبعضها الآخر لن ينكشف إلا في حقبة لاحقة لا يكون القول الفصل فيها لتلك القوى المهيمنة.