ومضى إمام وخطيب المسجد الحرام قائلاً " مشاعر الحب التي تَجِلُّ عن الوَصْف، وبعواطف التقدير التي يقصر عنها الرَّصْف، أرسلتها بلاد الحرمين الشريفين هتفة مشفقة حانية إشادة بهذه المصالحة المباركة وتجديد الهُدْنة الموفقة التي تم التوصل إليها بين الأطراف الأفغانية لفترة أطول؛ ليتسنى لجميع الأطراف العمل على تحقيق الأمن والسلام لأبناء الشعب الكرام، فالشعب الأفغاني الشقيق الذي عانى كثيراً من ويلات الحروب يتطلع، ويتطلع معه العالم الإسلامي إلى طَيِّ صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة قائمة على التسامح والتصالح، ونبذ العنف وإراقة الدماء والمحافظة على حياة الأبرياء، استنادًا إلى التعاليم الإسلامية العظيمة؛ التي تدعو إلى نبذ الفُرْقَةِ والخلاف، والتعاون على البر والتقوى، والعفو والإصلاح بين الأخوة ، قال تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) .
وأوضح الشيخ السديس ،أن بلاد الحرمين الشريفين - حرسها الله – حكومةً وشَعْبا ، ومن خلال مؤسساتها الرسمية دعمت قرار المصالحة لأنه قرار حكيم قائم على هَدْيٍ من الشريعة، وقِيَمِهَا الرَّفِيعة، ويهدف إلى صالح شعب مسلم عزيز، وتجاوز الخلافات التي عانى منها طويلا ولم تُجْدِ مواجهتها إلا مزيدا من إراقة الدماء والدمار والعداوة والتناحر ، والأمة الإسلامية والإنسانية أحوج ما تكون لتغليب منطق العقل والحكمة والحوار لتحقيق مصالحها العليا على كافة المطامع والنزاعات الضيقة التي تعود خسائرها بأكثر من مكاسبها الموهومة، وللتاريخ في هذا شواهد ماثلة، لا يعتبر بها إلا من وفقه الله تعالى.
وقال " هذه دعوة حرَّاء إلى مواصلة الجهود نحو المزيد من التوافق والتصالح، والتسامي دوما فوق الخلافات، هيا إلى التنافس الشريف، والتسابق المحمود، والإنجاز الرائع، والإبداع المتألق، دون تعصب أعمى، أو تجريح للآخرين وازدراء لهم، فميدان العمل مفتوح تحت مظلة رسمية مأمونة، تحقق المودة والتجرُّد، وروح الترابط، في حكمة رصينة متوَّجة بأوفى الضوابط ، تُحْيِي التراث الإسلامي الحضاري المعتبر، والموروث الأدبي والاجتماعي المزدهِر، ولتكن هذه البداية لعملية سلام ومصالحة حقيقية وشاملة ، ينعم بظلها شعوب المنطقة بالأمن والأمان والسلامة والاطمئنان، ولتزأر فيكم – أيها المتصالحون - دون إبطاءٍ آمال التحدي للشقاقات، ولتزمجر في دواخلكم اعتبار المقاصد في الأمة والمآلات، ولتتدفق في مرابعكم شلالات الحب والوُدِّ والوِفَاق والمكرمات، حِفَاظًا على سُمْعَةِ هذا البلد الإسلامي، وإرثه الحضاري، ومواصلة الحوار لتجاوز كافة سُبُلِ النزاع ، ومتى تجردت النفوس لهذا الغرض النبيل كان العون والتأييد، وحصل الخير والأمن والسلام ، والمحبة والمودة والوِئَام.
ومضي الشيخ عبدالرحمن السديس يقول " أمة الإسلام .. إن الحفاظ على النسيج الاجتماعي في الأُمَّة واجب ديني ومقصد شرعي ، ومن المهم بل والضروري التوارد على ميثاق شرفٍ أخلاقي ؛ خاصة في الإعلام الجديد ، وسَنِّ الأنظمة الحازمة لردع كل من تُسَوِّلُ له نفسه السير في هذا الطريق الوَعْر وإيذاء المسلمين، وبث الفرقة والخلافات، والتشتت والانقسامات.
وأضاف فضيلته يقول " أمة الإيمان .. بهذه المناسبة العظيمة، والمصالحة الكريمة، يُنَوَّه بجهود هذه البلاد المباركة : المملكة العربية السعودية، فهي منذ تأسيسها وهي تُولِي قضايا الإسلام والمسلمين في كل مكان الاهتمام والعناية والحرص والرعاية ، وما البيان الصادر عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله وأيده- إلا أنموذجٌ مُشْرِقٌ لمواقف هذه البلاد المباركة، فهي اليد الحانية والبلسم الشافي لجراحات الأمة ، وقد عبَّر باهتمام بالغ عن حِسِّه الإيماني ووجدانه الإسلامي والإنساني الكبير، وما أبانه -رعاه الله - من سروره وترحيبه وكل مسلم بهذه الخُطوة المباركة ، وتأييده لها، وأَمَلِهِ أن يتم تجديدها والبناء عليها لفترة أطول ليتسنى لجميع الأطراف العمل على تحقيق الأمن والسلام للشعب الأفغاني المسلم الأبِّيّ.
واختتم الشيخ السديس خطبته بقوله " إننا من منبر المسجد الحرام .. لندعو إخواننا الأشقاء من أبناء الشعب الأفغاني المسلم وقد وفقهم الله إلى هذه الخطوة الميمونة إلى مواصلة وتوثيق روابط الأُخُوة والتعاون معا للمحافظة على المقدرات والمكتسبات، وبناء مستقبلهم وجعل مصلحة وطنهم فوق كل الاعتبارات، مُفَوِّتِين الفرصة على المُغْرِضِين والمتربصين، مُرْتَقِين عاليا بمعاني أخوتهم وقيمهم الدينية ولُحْمتهم الوطنية؛ لتأخذ أفغَانُنَا المسلمة وضعها اللائق بها في منظومتها الإسلامية والعالمية ، وأن يَجِدُوا في دعوة خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - من منطلق الرسالة الإسلامية في بُعْدِهَا الإسلامي الكبير، والإنساني العميق، والحضاري الوثيق، وقِيَمِهَا العُليا الحاضنة للجميع - أُسْوَةً حسنة، وأنموذجا يُحْتَذَى في الالتفاف حول مطلبها الأَخَوِيّ المُشْفِق والمُحِب والداعم لكل خير وتصالح في بلاد الأفغان وفي كل مكان، والله المسئول أن يُوَفِّق الأُخْوَة الأفغان إلى ما فيه مصلحة بلادهم ، وأن يُصْلِح ذات بينهم، ويحقق لهم الأمن والسلام والاستقرار وسائر بلاد المسلمين، وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده خير الجزاء على حرصهم على نُصرة قضايا الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأن يجعله في موازين أعمالهم الصالحة .