يعتكف طلابنا خلال هذه الأيام على السقاية الأخيرة لبذور عامهم الجديد الذي سيكلل بنبات وافر الأوراق بإذن الله، وأخص بالذكر خريجي الثانوية الذين تعدوا مرحلة البذور ليقفوا على رسم آخر الملامح للوحة مستقبلهم الواعد في اختيار التخصص الجامعي الذي يدمج بين الرغبة والموهبة وما يحتاجه سوق العمل.
يحدث أن يشعر طلابنا في هذه الفترة أنهم في مفترق طرق، كما تدور في أذهانهم تساؤلات عديدة منها: ما التخصص المناسب؟ ما الذي يحتاجه سوق العمل، وهل تتوافق رغبتي مع قدراتي؟ والسؤال الأهم: ما القدرات التي أملكها حتى يسهل علي الاختيار؟، قد يصل الطالب لمرحلة يشعر فيها أنه يدور في حلقة مفرغة بتفكيره، وهو الذي يريد السير قدما نحو المرحلة القادمة من حياته، ولكن لو فكر بروية لوجد أن أول خيط سيقوده لفتح أول باب من أبواب اختيار التخصص المناسب هو معرفة الذات والاعتبارات الشخصية وتقييمها، بمعنى معرفة سماته ومحاولة اكتشاف قدراته من خلال تجربة فحص الهوايات لديه، مثل أخذ ورقة وقلم وكتابة الأمور التي يتقنها في حياته ويجد نفسه فيها، ثم يبدأ الفرز والمطابقة مع ما هو متاح من فرص في الجامعات للتعلم أكثر في هذا المجال ومن هنا يبدأ في السير على الطريق الصحيح، كما أن تحليل السلوك المهني لديه أمر غاية في الأهمية، من خلال معرفة مدى قدرته على التحمل والتأقلم مع ديناميكية العمل في التخصص الذي سيختاره، ولا يغفل عن معرفة الظروف التي يعيشها سوق العمل حتى لا يُصدم بواقع يرفض إعطاءه حقه في المجال الوظيفي بالشكل المطلوب.
ومما لا شك فيه أن الأهل يشكلون دعامة قوية تدفع الأبناء إلى رسم مستقبلهم بشكل واضح من خلال النصح والمشورة التي يتلقاها منهم الأبناء كونهم مروا بهذا الطريق وكسبوا الخبرة فيه، ولكن ما نشهده من بعض الأهل الذين يمارسون طقوس الولاية بالطريقة الخاطئة وصورة قمعية تشنجية عند إرغام أبنائهم على تخصص ما، فقط لأن الأب يريد أن يرى ابنه مهندسا مثلا والأم تريد أن ترى ابنتها طبيبة، غير مكترثين بميول أبنائهم وما ان كان مناسبا لهم أو لا، مما يُحدث انتكاسة لرغبات الأبناء وتحصيلا دراسيا مهزوزا، والنتيجة إما انسحاب الابن من الجامعة أو تغيير التخصص بعد ضياع سنوات من عمره كان الأولى أن توظف في مجال رغبته لا أمنيات والديه.
إن القرار الدراسي قرار مختلف عن أي قرار آخر، يجب أن يُترك الخيار للأبناء، وأن يكون الأهل كما يقال «بوصلة بحار لهم لا عصا أعمى» فقد أصبح أبناؤنا أكثر نضجا وتدقيقا في اختيار ما يقودهم إلى المقاعد الأمامية الرائدة في شتى المجالات.
11Laband@
القرار الدراسي قرار مختلف عن أي قرار آخر، يجب أن يُترك الخيار للأبناء، وأن يكون الأهل كما يقال «بوصلة بحار لهم لا عصا أعمى»