أتذكر ذلك الفيلم الفلسفي cast away الذي تدور أحداثه حول الموظف (تشاك) في شركة الشحن، والذي ينوي الزواج بحبيبته بعد عودته من مهمة تسليم طرود بريدية عاجلة قبل الكريسماس، وتواجه الطائرة عاصفة رعدية تسبب خللا في المعدات يؤدي لسقوطها وغرق الطاقم جميعا، لكنه ينجو بمشيئة الله وقارب نجاة كان موجودا على الطائرة، ليجد نفسه شريدا على جزيرة مهجورة بلا أي شيء، وبعد مضي زمن تقذف الأمواج طردا بداخله كرة طائرة من العلامة الرياضية الشهيرة (ويلسون) فيحتفظ بها بجانبه، وأثناء محاولاته لإيقاد النيران باحتكاك جذوع الشجر يفشل مرارا وتنزف يديه دما، فيغضب ويقذف الكرة بيده الملطخة بالدماء، ثم يفاجأ بأن أصابعه الملطخة دما صنعت شكلا مثل وجه الإنسان على الكرة، فيفرح وكأنه قابل شخصا يعرفه، ويحاول إكمال بقية الملامح، ويسميه (ويلسون) ليصبح رفيقه الذي يخفف وحدته ويقضي الأمسيات مستأنسا به، ويتشاجر معه يوما حول إمكانية النجاة من الجزيرة، حيث يعتقد هو بإمكانية النجاة، بينما يجدها (ويلسون) مستحيلة، فيغضب منه ويلقيه بعيدا، ثم يركض باحثا عنه بهلع في مشهد رائع، معلنا أسفه وندمه، حتى وجده أخيرا بين الصخور لتعود الابتسامة لوجهه.
أينما تواجد الإنسان تولد حوله شبكة علاقات تثري حياته، فالعلاقة الصحية بالآخر أساس التكوين النفسي، ووظيفة التواصل هو تبادل الأفكار ومشاركة المشاعر، ولهذا نحتاج لتفحص دوافعنا الداخلية خلال أي تواصل، وهل نمارس دافع التعلم والتعرف باهتمام على احتياجات الآخر، أم دافع الحماية والدفاع عن النفس ووجهات النظر؟.
يمكنني تحديد طبيعة دوافعي من خلال استماعي للآخر، ففي أحيان كثيرة نمارس استماعا سلبيا، يترجم في كثرة المقاطعة أو التشتيت الذهني خلال حديثه والانشغال في تجهيز الرد المفحم عليه، وكل اهتمامي منصب في الدفاع عن وجهة نظري، أما الاستماع الإيجابي فهو السماح للآخر بالكلام مع الانتباه التام وبدون تعليق، والإنصات بالقلب لتفهم مشاعره، والانفتاح بشجاعة على اختلاف وجهات النظر لتوسيع الرؤى والتعلم من الآخر.
LamaAlghalayini@