تابع العالم مؤخرا اللقاء الشهير بين القيادتين الكوريتين الشمالية والجنوبية تيم جونج أن، ومون جي إن، وصادف أن نشأ حديث مع أحد الأصدقاء حول الموضوع أخبرني انه يتذكر جيدا الفترة التي مررنا بها في المملكة والتي شهدت مساهمة عدد من الشركات الكورية في بناء وتشييد عدد من المرافق الحيوية مثل شبكات الكهرباء والطرق، وتابع الرجل انه يحتفظ عن تلك الفترة بطرفة كانت رائجة، تتحدث عن رجل جاء الى المدينة وشاهد لأول مرة اعدادا من الكوريين في الشوارع والأسواق ومواقع العمل، ولما عاد على قريته سأل أحد أبناء القرية هذا السؤال: هل انت كوري؟ وردد السؤال مرات كثيرة وكان القروي يجيب في كل مرة بلا، وعاود القروي نفس السؤال لابن قريته بعد ان توقف لبعض الوقت، فقرر زميله ان يغير اجابته، ويقول نعم هذه المرة، ليرى كيف تكون ردة الفعل، المهم بعد ان سمع السائل الجواب بالإيجاب، ان المسئول كوري، قال السائل بسرعة، لماذا عيناك ليستا هكذا، وأقفل جفنيه في إشارة الى تميز القوم بضيق العيون او صغرها.
اللقاء الذي شغل العالم بين القيادات الكورية في الحقيقة ليس هو الأول، حيث سبق أن تمت عدة اجتماعات أو لقاءات بين قيادات ومسؤولين في الجانبين في العامين 2000م و2007م، ويبقى ما اصبح يعرف بلقاء الجمعة بالاهم في نظر كثير من المراقبين، لأنه اشتمل على نقاط اتفق عليها البلدان من ابرزها وقف الأنشطة المعادية بين البلدين، ووقف بث الدعاية المضادة، وتخفيض التوتر العسكري بتخفيض الأسلحة، وبحث الجوانب الإنسانية والاجتماعية فيما يخص العائلات، ولم شملها في الجانبين، واستمرار المحادثات باشراك اطراف دولية مثل أمريكا، والصين. كل ذلك مسيرة إيجابية توجها اعلان القيادات بالالتزام المبدئي بإخلاء شبه القارة الكورية من الأسلحة النووية. وتحويل الهدنة التي تعد من أطول الهدن في التاريخ والتي استمرت لمدة 65 سنة، إلى معاهدة سلام دائم.
هذه الخطوات في مسيرة الصراع بين البلدين تعد انفراجا أوليا، وهو انفراج كوري في المقدمة، ومن بعد انفراج دولي، ولعل من المفيد التوضيح لهذا المفهوم في العلاقات الدولية والذي يعني بصورته العامة التي تناسب مقالا لجميع القراء، أنها السلوك السياسي الذي تقوم به الدول ويبعدها، عن مغبة الوقوع في شراك الحروب. وجدير بالذكر أن هذا المصطلح يوصف غالبا الحالة التي تعيشها الدول بعد انجلاء أو انتهاء أزمة ما. وتعود نشأة المصطلح لدى اغلب الباحثين إلى أزمة الصواريخ الكوبية، في العام 1962 والتي قربت العالم من شبح حرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي السابق. هذا المصطلح يبنى عليه مصطلح آخر في العلاقات الدولية وهو مصطلح التعايش السلمي، وهذه الجزئية رصدتها باهتمام عندما قرأت بيان وكالة الأنباء الكورية الشمالية الذي تحدث كما لم يسبق من قبل عن «فتح عهد جديد للمصالحة الوطنية، والوحدة، والسلام، والرخاء.»
العالم رحب بهذه التطورات الكورية، وهذا يؤكد ان الصراع في نقطة ما، يكون له آثار وتداعيات في غير مكان من العالم، إما بشكل مباشر، او غير مباشر. ويرصد اغلب المراقبين هذا التطور الإيجابي في موقف كوريا الشمالية بحرص وعناية وربما بعض التروي، حتى ان البعض أشار إلى ضرورة أن تبقى العقوبات الدولية سارية المفعول على الجزء الشمالي حتى يبدأ التطبيق الفعلي للالتزامات المعلنة مع الجار الجنوبي. ولعل التركيز على النمو الاقتصادي، ونشر السلام خير من التوتر الذي أربك العالم لعقود، خاصة أن الشعبين ينحدران من أرومة واحدة، وحجم الكتلة البشرية في الجانبين متقارب، وحتى المساحة الترابية متساوية. والأمل أن ينعكس هذا التقدم الإيجابي في كوريا، على أقاليم جغرافية ملتهبة في العالم بالهدوء ومنها منطقتنا العربية.
[email protected]