في الوقت الذي تنصرف فيه الكثير من البلدان، وخصوصا في محيطنا الإقليمي، إما باتجاه معالجة ضجيج اختلالاتها الأمنية، أو تسخير مقدرات شعوبها لاستغلال سوء الأحوال في دول الجوار للتوسع وفرض مناطق نفوذ كما تفعل إيران، تظل المملكة، والتي كانت دومًا في عين الاستهداف، تمارس تفردها دون أن تنحني أو تذعن لذلك الواقع الذي فُرض عليها، وأجبرها على اتخاذ قرار عاصفة الحزم، لأنها تدرك أن كل ما تسعى له تلك القوى العدوانية هو إخراجها من سياقها التنموي الذي جعلها تحتل الريادة، فبقدر ما أعدت من القوة لمواجهة العدوان، بقدر ما حافظت على وتيرة التنمية دون أن تتوقف لحظة واحدة رغم أنها جزء من الواقع الاقتصادي غير المستقر الذي يعيشه الجميع، لكنها مع هذا نجحت في فرض إيقاعها التنموي، والمضي قدمًا في مشروعها الكبير باتجاه تحديث اقتصادها، وإخراجه من الارتهان للنفط وحده، لتضع لشعبها خارطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد النفط، ولكن باستخدام النفط ذاته في إعداد ورسم هذه الخارطة.
واليوم من يزور المملكة، لا يستطيع أن يتصور أن هذه الدولة المنهمكة في مشاريعها الكبرى تقود تحالفًا عسكريًا عبر عاصفة الحزم لاسترداد الشرعية في اليمن الشقيق، وأنها في ذات الوقت تخوض حربها الشرسة على الإرهاب والفكر الضال، وتعمل مع كافة دول العالم لبناء مجتمعات خالية من العنف، هذا على صعيد تماسك الجبهة الداخلية، والمظلة الأمنية الفريدة التي تتمتع بها البلاد على امتداد مساحتها الشاسعة، غير أن من يقف على طبيعة المشاريع التي يتم تدشينها من حين لآخر، وآخرها حتى الآن مشروع القدية، والذي يبعد عن وسط العاصمة حوالي 40 كم فقط، ويقام على مساحة تقدر بـ334 كم2، ويعتبر أضخم مدينة ترفيهية على مستوى العالم، وقبله مشروع الطاقة الشمسية العملاق، وغيره من المشاريع النوعية، من يقف على حقيقة هذه المشاريع المستقبلية يدرك فعلًا أنه أمام طموح يقود حكومة، وأنه أمام حكومة تعيش الحاضر لكنها تعمل للمستقبل، وأنه أمام وطن يتغير استجابة لمنطق العصر واستحقاقاته، ولكن على ضوء ثوابته وقيمه وأدبياته، وهذا النوع من الأوطان النابهة هو ضابط الأمان في الإقليم، وهو وحده من سيقود المنطقة إلى بر الأمان، لأنه لم يخلط الأوراق، فاستبقى يدًا للدفاع وأخرى للبناء.