وبعيداً عن السياسة -رغم أهميتها- إلا أن نظرةً متأنيةً لمجمل زيارات ولي العهد الخارجية، التي انطلقت من القاهرة كعاصمة إقليمية محورية وتضم لندن وواشنطن كعاصمتي قرار عالمي، وما سبقها من تحركات ذكية سابقة، تضعنا من جديد أمام ما يُطلق عليه في مصطلحات العلوم السياسية «القوة الناعمة» والتي نملك منها هنا الكثير من الأوراق الرابحة، وأذرعها الإيجابية.
وهنا يمكن فهم التوجه السعودي عبر الاستفادة من محاور قوتنا الناعمة، في بلورة موازين القوى إقليمياً وعربياً وإسلامياً، بما يعيد التوازن ومعه كل الأمور إلى نصابها الصحيح.. من خلال العديد من الإجراءات التضامنية مع العالم -وربما استباقه- بمواجهة أخطر ما يواجهه الآن.. الإرهاب وميليشياته، والتطرف وتنظيماته.
وإذا كانت قمة التأثير في السياسة الخارجية لأي دولة في العالم، تلخصها عبارة «دع الآخرين يريدوا ما تريده»، فهذا بالضبط ما تسعى له المملكة، ويجتهد فيه ولي العهد، اعتماداً على كل ما له صلة بقوة الجذب ومحاور الإقناع، وانطلاقاً مما نملكه من مخزون هائل ومتعدد، يضعنا في مصاف الدول الفاعلة.
جولات ولي العهد الخارجية وبهذا الزخم والتفاعل، تضعنا في مقدمة مشهد إقليمي ودولي جديد يسابق الزمن من أجل إقرار صورة سعودية أخرى تدفع بمكامن قوتها المتعددة إلى آفاق أرحب ورؤية حضارية وعصرية تعيد ترتيب أولوياتها من أجل مستقبل أفضل لأبنائها أولاً، ولبناء صيغة شراكة وتعايش ندية، تتقارب كثيراً مع أولويات الدول الفاعلة إقليمياً وعالمياً، وهذا ما نستحقه بكل جدارة.