DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

وليد سامي أبو الخير

وليد سامي أبو الخير

وليد سامي أبو الخير
وليد سامي أبو الخير
أخبار متعلقة
 
على هذه الصفحة البهية صفحة الرأي سطر يراع الدكتور الفاضل عبد الرحمن العصيل نبذة عما إلتاع به العرب كثيرا في هجرتهم المضنية بحثاً عن الرزق حيناً وطرداً وراء فضاءات الحرية أحايين أخرى ، لقد أثارت مقالات الدكتور لواعج عديدة وجعلتني أشعر بحق مدى الألم المضني الذي يحيق بأولئك المغتربين ، وهم من هم ؟ إلا أنهم لا أوطان لهم !. في هذه الأثناء صادف أن راسلني مندوب إحدى الصحف الخليجية يعرض علي إمكانية الكتابة في صحيفته ، ولما سألته باستغراب حقيقي عن مواءمة ما سأكتبه مع طبيعة بلده الذي لا أعرف عنه سوى القليل ، أجابني بثقة تامة أن عددا من أبناء بلدي قد سبقوني بالكتابة في صحف خليجية مختلفة ، وراح يذكر لي طرفاً من الأسماء ، عرفت جلّها إن لم يكن كلها ، وتجرعت مرارة غصة اندلقت في حلقي بصعوبة بالغة ، وساءلت نفسي : كيف أن أسماءً كهذه ملؤها الغيرة وحب الوطن لا تكاد تجد لها فسحة تنثر فيها مكنونات تباريحها وبنات أفكارها ، عجبي لا ينقضي ، وأسفي لا ينتهي ، كيف لا وأنا أرى بأم عيني أمثال ( تشارلي ريس ، وروبرت فيسك ، وتوماس فريدمان ) يكتبون في صحفنا ناقدين لنا في كثير من الأحيان وهم لا يملكون أي حس وطني تجاهنا ، بل إن بعضاً منهم تلمس بوضوح شديد جهله التام بأبسط مضاميننا الدينية وتحدياتنا المجتمعية ، في حين أنك تجد مواطنينا الغيورين على بلدهم لا محط لأقلامهم سوى على ضفاف الخليج ، هناك حيث يغردون همهم بلحن حنو خافت ، يرجون من الريح الشرقية أن تحمل معها بعض كلماتهم داخل الوطن ، أذكر بعضاً من أسماء أولئك : كالدكتور خالد الدخيل ، الذي يكتب حالياً في صحيفة الاتحاد الإماراتية ، مقالات مفعمة بروح الحقيقة وعزة الإباء ، كذلك الأستاذ مهنا الحبيل ، فهو كاتب في كل من صحيفة الشرق القطرية وصحيفة الوطن البحرينية ، ولقد علمت مؤخراً أن الأخيرة من فرط احتفائها بالأستاذ قد سخرت له عاموداً يومياً ينثر فيه ما حملته كنانته الملآنة ، والدكتور تركي الحمد الذي عُرضت عليه الكتابة في إحدى الصحف الخليجية مقابل أي مبلغ يشترطه ، لكنه بعد تجربة قصيرة مع صحيفة البيان الإماراتية قد آثر إسكات القلم على التغريد خارج الوطن ، وغير هؤلاء كثر ، قد هاجروا إلى دنيا المواقع الالكترونية وكتبوا تحت أسماء مستعارة ، تبث أحزانها ، ونادراً ما تجود بالأفراح ، ولكم تلقفت الصحف السعودية بعضاً من مرتادي المنتديات لتقف بنفسها على أقلام باذخة العطاء ولتكتشف بأسى كم نحن في غفلة عن الذي ما بين أيدينا ، بيد أني أعرف من ذكرت أسماءهم جيدا ، وأدرك فيهم حمئة الحق والإيمان العميق بالمصالح العليا ، فعلام الهجران إذن ؟ هل لأن الحرية تعني بالدرجة الأولى المسؤولية ونحن في حقيقة الأمر نخشى الأخيرة ؟ ألا لا يقولن قائل إنهم وغيرهم لاذعو النقد ، إذ خيرٌ من الذي يصفعك من الخلف ذاك الذي يعبس في وجهك صارخاً بالحقيقة مهما كانت مؤلمة ، وكما قال ابراهام لنكولن من قبل : « صارح أمتك بالحقيقة تصبح الدولة بأمان» . كم من انشتاين وشكسبير والعقاد قد قضي عليهم في مجتمعنا قبل أن يصلوا إلى سن المراهقة ، لا أشك أبدا في كونهم كثر لا يحصون ، إذ منذ الصغر يُكبل المرء النابه بأصفاد الوجوم والركون ، وإذا ما شاء القدر أن ينفذ أفذاذ من ذلك الوضع المأزوم لم يلق له جوقة يعزف معها سوى تلك التي تقيم حفلاتها بعيدا تنشد معزوفة الغربة الأليمة ، وأشد من غربة الإنسان عن وطنه غربته وهو في داخل الوطن ، حينئذ لا تعجبن أبدا من معنّى تغنّى ، ومن محب للحياة يتكلم عنها وهو ينظر إلى السماء يناجي فيقول : أيا رب رحماك إن كنت أكذب فيما أصف وأقول ! . مشكلتنا العظيمة أن بين أيدينا كنوز كبيرة بعضها يتراءى لنا أمام أعيننا لكننا مع ذلك لا نتأملها لأننا بكل بساطة لا نؤمن بوجودها ، أو بالأصح لا نريد الإيمان بها على الإطلاق ، ولست أدري كيف يروق لقوم أن يعرفوا كل شيء عن حياة لاعب كرة قدم ولا يعرفون شيئاً أو بعض الشيء عن حياة إنسان يتألم ويفكر ويأمل من أجل أخيه الإنسان ، إنه و للأسف كما أن الناس يدركون في سن مبكرة الغاية من وجودهم فإنهم كذلك يتخلون عنها في سن مبكرة ، بيد أنه يظل دوماً بعض المتقدين الذين يحلمون بالعودة إلى الغاية الأسمى رغم حلمهم الذي يراودهم حيناً بالرحيل ، حاديهم أن الساعة الأكثر ظلمة هي تلك التي تسبق شروق الشمس ، ولن أمل في يوم ما من ذكر قصة الأستاذ العقاد الذي خرج من سجنه فتمنعت كل الصحف من النشر له ومكث على هذه الحال دهرا طويلا حتى اضطر إلى بيع شذر من كتبه ، يومها كتب علي الأديب يقول : في كل يوم يمر علينا نكون قد قتلنا العقاد قتلة ! ولعلني أقول لربما كان التيار معاكساً لهم أبد المسير ، حينئذ ستجد بعضهم وقد أصر على الإبداع تحت أي سماء وفوق أي أرض ، مثلهم كمثل من سبقهم من المغتربين الذين ألّفوا إبداعاتهم وهم في منأى عن الأقربين ، ففولتير ألف تحفته «هنرياد » ، وسرفانتش أبدع روايته «دون كخوتة» ، والرحالة الإيطالي ماركو بولو أملى مغامراته ، و أوسكار وايلد نظم أروع أغانيه ، كل أولئك قد شحذوا همتهم وهم بطريقة أو بأخرى قد أرغموا على الغربة سواء أكانت غربة الجسد أم غربة الروح والوجدان. أما أنا فما زلت أنعم بالكتابة في أحضان وطني رغم أني في جلّ حياتي الآنية أعيش خارجه ، ولقد همست مهاتفاً صاحبي المندوب عن الصحيفة قائلا : « حتماً ستجد من أبناء وطنك من يكتب معبرا عن آلامه وآلامكم أصدق مني ، ودعني أنا أعبر بصدق عن آلامي وآلام وطني ، طالما أنه يرحب بذلك .. « أتدرون لكم دعوت الله سرا الا يكرر مأساة الأستاذ هشام شرابي، وما زلت في كل مرة ودمعة تطرف من عيني أتأمل نصه التراجيدي الدفين ، ذاك الذي يختم به سيرته الذاتية الصادقة يتهدج به قائلاً : « الطائرة تعلو رويدا رويدا .. البيوت تصغر حتى تبدو بحجم لعب الأطفال .. ثم تختفي .. ولا يبقى شيء إلا الأرض الخالية والتلال .. أنظر إليها من خلال دموع لا أستطيع منع انسيابها .. لقد نبذتني يا وطني .. لن أرجع إليك .. لن أرجع أبدا .. « أما آن للمغتربين بعد أن يؤوبوا إلى أوطانهم ؟ أصلح الله الأحوال . [email protected]