أخبار متعلقة
يعد الفنان التشكيلي عبد الحليم رضوي من أبرز الفنانين التشكيليين في المملكة، وهو من الرعيل الأول الذين رسموا صورة حقيقية لمعالم الفن التشكيلي، وقد أعطى بفنه الذي مزجه بروحه ولم يبخل يوماً بأن يقدم ما لديه.
ويستطيع المراقب لمسار الحركة التشكيلية في المملكة أن يتعرف على مدى تأثير مشواره الفني ومدى ما قدمه لها.
فالفنان رضوي الذي توفي في أحد مستشفيات جدة أول أمس الأحد بعد صراع مع المرض خلال الأعوام الأخيرة، وأجريت له خلالها عملية قلب مفتوح، وضعف بصره، إلا ان كل ذلك لم يحبط عزيمته وحبه وممارسته الفن والتحرك به داخل المملكة وخارجها.
وقد عرف عن هذا الفنان نشاطه وإصراره على أن يكون للفن التشكيلي دور في الثقافة العامة للمجتمع وهو عندما يتحدث عن الفن الحديث فانه يؤكد معه على ان ينطلق من الأصالة ومن استلهام للتراثين العربي والإسلامي، وقد اخذ منه ذلك اهتماما وقد أكد وكرس لأعمال تحمل أو تتأثر بهذا التوجه.
ولد عبد الحليم عبد الرحيم رضوي عام 1358 الموافق1939 ونشأ ودرس في مكة المكرمة وعاش بداية حياته عصاميا كان لوالدته في ذلك الدور الكبير في تنشئته وتعليمه، وفي المدارس التي تعلم فيها كان محاطا بالتشجيع والاهتمام وخصصت له مدرسته عام 1373هـ جناحا لرسوماته نفذها بالألوان المائية والبلاستيكية.
كان العام 1378هـ بداية انطلاق لحياة فنية تميزت بالمثابرة والجد والاجتهاد فقد كانت مشاركته في أول مسابقة جماعية على مستوى المدارس الثانوية وذلك في مدينة الرياض وكان قد فاز حينها بالمركز الأول وكان لهذا الفوز الأثر في ان يتوجه بعد إنهائه الدراسة الثانوية في مدرسة العزيزية بجدة لدراسة الفنون الجميلة بعد ان كان يتمنى دراسة الطب، كانت وجهته للتعلم ايطاليا التي سافر إليها وحيدا عام 1961م، وعلى نفقته الخاصة فيدرس في أكاديمية الفنون الجميلة بروما الديكور وفنونه وفيها أقام أول معارضه الشخصية في العام التالي من التحاقه بالدراسة، وقد تم ضمه الى البعثة الرسمية فيما بعد.
في العام 1964 أنهى دراسته الفنية وعاد الى المملكة بكثير من الطموحات فأقام معرضه الشخصي الأول فيها إلا انه فوجيء حينها برد فعل عكسي على مقدار ما كان يحمل من طموح فقد وصفت أعماله بالهلوسة الفنية مع توجهه الأحدث في الفن وتأثره بدراسته ومشاهداته الفنية في ايطاليا.
كان المجتمع ينتظر من الفنان حينها تمثيل الواقع ومحاكاته وهو ما كان يقف رضوي ضده وكرس له الكثير من كتاباته وآرائه ومواقفه، عاد بعد العرض الأول ليكرر التجربة في موقع آخر في نفس المدينة لكن النتيجة لم تكن بأحسن من الأولى كثيرا ومع ذلك تحرك بأعماله الفنية الجديدة الى بعض المدن السعودية الأخرى كالرياض والظهران التي تلقى حينها دعوة من شركة أرامكو السعودية لرسم بعض المظاهر عن صناعة الزيت.
كانت عودة الفنان عبد الحليم رضوي من ايطاليا متزامنة مع اهتمامات جديدة بالفن فقد تم افتتاح معهد التربية الفنية بالرياض وقبله إقامة دورات تدريبية لصقل معلمي التربية الفنية وكانت هذه الدورات صيفية وكانت مدينة الطائف مركزا توجه إليه بعض المعلمين والمتعلمين من بينهم رضوي ومن المتعلمين الفنان الراحل محمد السليم والفنان سعد العبيد وغيرهما، وفي معهد التربية الفنية بالرياض درّس رضوي لفترة محدودة ثم انتقل الى جدة ليقوم بالتدريس في إحدى المدارس الثانوية، وتأسس مركز الفنون فيها لينتقل للإشراف عليه وقد أنشأته حينها وزارة المعارف.
تعبر أعمال الفنان عبد الحليم رضوي عن اطلاع واستيعاب للتيارات والتوجهات الفنية العالمية وهو عندما يدافع عن مفهومه الانطلاق المعاصر من خلال التراث العربي والإسلامي فهو يؤكد على هوية وشخصية تميز العمل الفني ومن هنا كانت انتقالاته الفنية نحو هذا المفهوم واضحة في تجاربه المتلاحقة . عقب عودته من دراسته الأولى كان تأثير بعض الاتجاهات الحديثة ظاهرة في أعماله فرسم بتأثير التوجه الانطباعي المتأخر خاصة مع سيزان الذي اعتبر أب الفن الحديث وانه فتح الباب لاكتشاف التكعيبية وتقترب في هذا السياق أعمال رضوي وقتها مع معالجات سيزان القائمة على اللمسة العريضة للفرشاة أو سكين الرسم يظهر ذلك في أعمال مبكرة رسمها في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي من عناوين تلك الأعمال (زهور، قرية برشانو في ايطاليا، القروية) وغيرها، وهي أعمال مثلت مرحلة مهمة ومؤثرة في تجربته الفنية واختلفت عن تجارب أخرى لاحقة نفذها حين وبعد عودته من اسبانيا وقد درس فيها الفن وحصل منها على درجة بروفيسور عام1979 م.
بدت أعمال الفنان الجديدة تبحث في معطيات الدائرة وبعد الحركة والديناميكية كانت آراء وتنظيرات رضوي الذي طبع مؤلفا يبدي فيه هذه التجربة فكان يرسم علاقة بين التموجات الفكرية والشحنات الانفعالية - كما كان يقول - ضمنه كتابه (الحياة بين الفكر والخيال) 1981م الذي ضمنه لإيضاح ذلك - أيضا - رسومات وتخطيطات وآراء. فيقول في هذا السياق متحدثا عن أحد الأعمال (كل شيء في الحياة يدور ويدور ولكل إنسان أحلام وأمان يدور حولها)
أصدر رضوي فيما بعد بمشاركة كتاب قضايا معاصرة مع د. أبوبكر باقادر واكرم طاشكندي ومساهمته كانت مقالات نشرها في بعض الصحف.
أثناء دراسته الفنية في أسبانيا التقى ببعض الفنانين العرب الذين كانوا يتعلمون معه وكان يشغله حينها البحث عن الشخصية الفنية للنتاج الفني العربي ورأى مع الفنانين أحمد نوار ومصطفى عبد المعطي وفاروق إبراهيم وعبد العزيز أحمد انه لابد من ان يكون لنا أسلوب مميز مع استخدام المعايير الحديثة.
في أعماله التي مثلت مرحلة ثانية في تجربته الفنية وقد برزت الدائرة انطلق من مفردة الحصان الذي ربما رأى فيه عنصرا يرمز للأصالة فنوع على حركته منطلقا من نقطة في الوسط ومنتهيا الى أطراف العمل بحركة لولبية رأى فيها دينامية الحياة إلا ان عناصره التالية أخذت في التنوع وظهر في لوحته المنزل والأشخاص والحركة اليومية الشعبية ومع التواصل في هذا التوجه أخذت الحركة تقل وتتوارى لصالح وضوح العناصر الجديدة التي اخذت تؤكد اتجاهه الفني الذي حافظ عليه الى آخر اعماله المعروفة. ومع اهتماماته في تكوين اللوحة الفنية الحديثة وباستلهام المعطى التراثي لم يغفل رضوي المواضيع الإنسانية والقومية العربية والإسلامية ولعل لوحاته عن فلسطين والقدس تمنحنا التعرف على مشاركته الفنية في هذه القضية. وهو مع حالة الرسم لا يتوانى في تضمين بعض أعماله في ظل هذا التوجه كتابات وحروفا تكثف الفكرة وتقربها، وكان من بين أعمال هذا الاهتمام لوحاته (اين الضمير؟ القدس تناديكم، البؤساء).
تقلد الفنان عبد الحليم رضوي منصب مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة حقق خلالها العديد من الأنشطة الفنية المتمثلة في المعارض الشخصية والجماعية وقدم فكرة معرض مختارات من الفن التشكيلي السعودي المعاصر وتبنتها الجمعية . وقد رافق رضوي معظم المعارض المبكرة لهذا التحرك، حصل عام 1984 على وسام القائد من البرازيل وانشأ متحفه بجدة وفيه عرض أعماله الفنية، أقام اكثر من مائة معرض شخصي طاف بها العديد من بلدان العالم كانت أوائلها في روما وبيروت. كما عرض في اسبانيا والقاهرة وتونس وغيرها وكرمته اكثر من جهة وأعماله تقتنيها عدة جهات رسمية داخل المملكة وخارجها.
الفنان عبد الحليم رضوي في أحد معارضه