DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

عبقرية المؤسس صنعت تاريخ الحكم السعودي

عبقريته صنعت التاريخ ببساطة القائد المسلم

عبقرية المؤسس صنعت تاريخ الحكم السعودي
عبقرية المؤسس صنعت تاريخ الحكم السعودي
أخبار متعلقة
 
بقدر ما كانت شخصية المؤسس الملك عبد العزيز- رحمه الله - مثار إعجاب لكل من اقترب من قراءتها ودراستها.. وبقدر ما كانت هذه الشخصية مستحوذة على مزايا العبقرية وصفات الزعيم الموهوب.. وبقدر ما رسخت من معايير عظيمة في الشخصية القيادية القادرة على صناعة التاريخ والتأثير فيه.. بالقدر نفسه؛ فإن هذه الشخصية الفريدة من نوعها، في العصر الحديث، بلغت من البساطة مدى شديد الوضوح والصراحة في تكوينها العربي والإسلامي.وقد عبرت سيرته، رحمه الله، عن البعد العربي والإسلامي في أخلاقه وافكاره، ومقدرته العظيمة على تأسيس دولة مترامية الأطراف وبنائها وحمايتها وتسليمها للجيل التالي من أبنائه.. ويؤكد الأستاذ الدكتور محمد بن سالم العوفي،في بحث مطول،هذه الحقيقة،ويسلط الضوء على أسرار مهمة في تكوين شخصية الملك عبد العزيز، من خلال سيرته وأحداث حياته،قبل تأسيس الدولة،وأثناء بنائها. وفي هذه السيرة الطويلة ملخص نهائي للعبقرية التي تتسم بها الشخصية العربية والإسلامية.. وبخاصة حين تكون في موقع القيادة.. مؤمن بربه يقول سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز في حديث له ضمن حوار تلفزيوني وثائقي عن الملك عبد العزيز: ((.. ان أهم خصلة في الملك عبد العزيز هي إيمانه بالله قبل كل شيء)). وقد نشأ الملك عبد العزيز في بيئة صالحة، رباه والده على كريم الأخلاق ونبل الخصال،وتعاليم الدين، التي تلقاها من نبعها الصافي، فكان رحمه الله وقافاً عند حدود الشرع، يكره المعاصي صغرت أم كبرت، محافظاً على الصلاة حتى في أحلك الظروف،وهو يواجه أخطر المواقف؛ ففي ليلة اقتحام قصر المصمك، وفي انتظار خروج عجلان، عامل ابن رشيد على الرياض، في تلك اللحظات المصيرية، يستيقظ عبد العزيز، ويصلي مع رفاقه، ويتجه إلى ربه خاشعاً متبتلاً.وعند ملاقاته لابن رشيد بالقرب من الدلم،حول نعجان، سرى عبد العزيز ليلاً،ودخل بيت شيخها عند انبثاق الفجر، فصلى ونام مطمئناً،واثقاً بنصر الله. وكان رحمه الله لا يشرب محرماً، ولا يشهد ولا يسمع منكراً،وهو في عبادته (( لا يتشدد تشدد المغالين، ولا يتهاون تهاون الكسالى المفرطين)) يقول عنه عبد الله القصيمي: ((..لا يقدم على كلام الله وكلام رسوله وكلام صحابته وأئمة الإسلام كلاماً. وهو يبدأ إذا ما احتج لمسألة سياسية كانت أو اجتماعية بكلام الله، وبكلام رسوله وصحابته إذا ما حضره شيء من ذلك..)). يتردد في مجلسه دائماً قال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الأئمة،وقال الشاعر العربي. ومن كلامه: ((.. طالماً القرآن بين أيدينا،فلا خطر على ديننا)) لذا كان الملك فيصل رحمه الله يقول: (( البيت السعودي بيت دعوة قبل أن يكون بيت ملك)). ويقول سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز: ((.. هدف عبد العزيز هو إقامة دولة تحكم كتاب الله وسنة رسوله..)). كما يذكر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، ((ان عبد العزيز رجل عقيدة)). لم يساير بعض الساسة، الذين كانوا يجاملون الناس كسباً لتأييدهم، على حساب دينهم،وربما شاركوهم في بدعهم وخرافاتهم، بل إن إيمانه وقوة عقيدته جعلته يعمل على محاربة البدع والخرافات وتطهير الجزيرة مما يفسد على الناس عقائدهم.كانت قوة إيمان الملك عبد العزيز العامل الأساس في تكوين شخصيته،وكان رحمه الله كلما تشتد الأزمات يشتد،ويقوى ايمانه بالله. عادات يومية كانت أعماله اليومية تدور حول أوقات الصلاة، تبدأ بصلاة الفجر، وتنتهي بصلاة العشاء ومن عادته اليومية أن يستيقظ قبل صلاة الفجر بنحو ساعة،فيقرأ سوراً من القرآن،ويتعبد ويتهجد،وكثيراً ما يسمع نشيجه إلى أن يؤذن الفجر، فيصلي الصبح مع الجماعة،ويسبح ويقرأ ورد الصباح. في 18 محرم سنة 1352هـ ابرق برقية إلى ولي عهده ( الأمير سعود) برقم (275) جاء فيها: (( ينبغي أن تعقد نيتك على ثلاثة أمور: أولاً:نية صالحة، وعزم على أن تكون حياتك، وأن يكون ديدنك إعلاء كلمة التوحيد،ونصر دين الله، وينبغي أن تتخذ لنفسك أوقاتاً خاصة لعبادة الله والتضرع بين يديه، في أوقات فراغك، تعبد الله في الرخاء تجده في الشدة، وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف،والنهي عن المنكر، وأن يكون ذلك كله على برهان وبصيرة في الأمر،وصدق في العزيمة،ولا يصلح مع الله سبحانه وتعالى إلا الصدق، وإلا العمل الخفي الذي بين المرء وربه)).وفي سنة 1357هـ (1938م) ارتجل خطبة في مكة جاء فيها: ((ما كنا عرباً إلا بعد ما كنا مسلمين،كنا عبيداً للعجم، ولكن الإسلام جعلنا سادة، ليس لنا فضيلة إلا بالله وطاعته واتباع محمد، ويجب أن نعرف حقيقة ديننا وعربيتنا ولا ننساهما)). بر بوالديه على مسافة ثلاثة أيام،خرج عبد العزيز يستقبل والده قادماً من الكويت بعد غياب دام إحدى عشرة سنة.وبعد استقرار الإمام عبد الرحمن،أرسل له عبد العزيز يقول:الإمارة لكم، وأنا جندي في خدمتكم. فرد عليه: إذا كان قصدك في استدعائي إلى الرياض لأتولى الإمارة فيها فهذا غير ممكن، ولا اقبله مطلقاً،ولا أقيم في المدينة إذا ألححت به.تدخل العلماء، فقالوا لعبد العزيز: على الابن أن يطيع أباه، وقالوا للإمام عبد الرحمن: أنت كوالد عبد العزيز رئيس عليه وبالتالي على أهل نجد.فقال الإمام عبد الرحمن:ولكن الإمارة له.فقال عبد العزيز:إني أقبلها بشرط أن يكون والدي مشرفاً على أعمالي دائماً، فيرشدني إلى ما فيه خير البلاد،ويردعني عما يراه مضراً في مصالحها. يقول الزركلي: (( وفي اجتماع عام حضر علماء الرياض وكبراؤها في باحة المسجد الكبير بالرياض، بعد صلاة الجمعة أعلن الإمام عبد الرحمن نزوله عما له من حقوق في الإمارة لكبير أبنائه عبد العزيز، وأهدى إليه سيف سعود الكبير، نصله دمشقي،وقبضته محلاة بالذهب،وقرابه مطعم بالفضة)).أراد الملك عبد العزيز السفر إلى الحجاز في أواخر سنة 1346هـ ، فدخل على والده يستأذنه،فقبل يده مراراً، وفي كل مرة يسأله، هل أنت راض عني. فيجيب الإمام في كل مرة: لاشك في ذلك، يقول الزركلي: (( وكان ذلك آخر اجتماع له بأبيه، وصوت رضاه الأبوي يرن في أذنه حتى هذه الساعة)).يقول حافظ وهبه: ((.. وقد لاحظت مرة في إحدى زوراتي للإمام عبد الرحمن والد الملك عبد العزيز أنه لا يقرأ الكتب التي ترسل إليه، ويردها مع الرسول كما هي، فسألته: لماذا لا تقرؤها؟ لقد أرسلها إليكم عبد العزيز: لتطلعوا عليها،ولترشدوه برأيكم إذا رأيتم فيها خطأ.فقال: ان عبد العزيز موفق، لقد خالفناه في آرائه كثيراً،ولكن ظهر لنا بعد ذلك أنه هو المصيب،ونحن المخطئون، ان نيته مع ربه طيبة، لا يريد إلا الخير للبلاد وأهلها، فالله يوفقه ويأخذه بيده، وان تنصروا الله ينصركم)). كان عمر الإمام عبد الرحمن قد جاوز المائة، وقد بلغ مرحلة من الضعف لا يقوى معها على المشي وتحمل التعب. وبينما كان يطوف بالبيت العتيق مع ابنه الملك عبد العزيز أدركه الإعياء فسقط على الأرض، وقد طاف ثلاثة أشواط فقط، فما كان من الملك عبد العزيز إلا أن حمله بيديه،وطاف به حتى أكمل بقية الطواف، لم يأمر أحداً من خدمه ومرافقيه بحمله، وإنما قام بذلك حرصاً على بره،وطلباً لرضاه. البر بالرعية ولم يكن رحمه الله باراً بوالده فحسب، بل باراً بأقاربه، يسأل عنهم، ويتفقد أحوالهم، سواء بالزيارة أو بالمحادثة، يعقد لهم مجالس خاصة بهم،لا يحضرها سواهم.بل كان باراً برعيته، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، فيفرح لفرحهم ويألم مما يصيبهم، أخا لكبيرهم، وأبا لصغيرهم، رحيماً بهم، شفوقاً عليهم، يسعى جاهداً لخيرهم، يوصي عماله في كل مناسبة بالرفق بهم، وأخذهم باللين،وعدم الشدة في معاملتهم إلا على الباطل،وما يخالف الشرع الحنيف. وكان يرى أن مسئوليته عظيمة- ومهمته جسيمة- أمام الله سبحانه وتعالى عن هذه الرعية. فكثيراً ما يردد في خطبه: (( الملك لله وحده،وما نحن إلا خدم لرعايانا، الكبير منكم أخ لي والصغير من أبنائي)). يصغي لكبيرهم،ويحادث ويؤنس صغيرهم، فأحبوه، وتعلقوا به، وهتفوا باسمه ملكاً وراعياً ومربياً. لذا كان من أهم وصاياه لولي عهده سعود: ((.. عليك أن تجد وتجتهد في النظر في شئون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سراً وعلانية، والعدل في المحب والمبغض،وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل، والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً، وينبغي إلا تأخذك في الله لومة لائم)). تقدير العلماء وكان الملك عبد العزيز مولعاً بالعلم، شغوفاً به، قل أن تمر عليه ليلة لم يستمع فيها إلى درس من تاريخ، أو أدب، أو تفسير، يقرأ عليه قارئ فصيح من تاريخ الطبري، أو تاريخ ابن كثير، أو تفسيره، أو كتاب الآداب الشرعية،وغيرها، وإذا انتهت القراءة كان يناقش الجالسين فيما سمعوه،ويطلب منهم إبداء آرائهم وملحوظاتهم،محيياً بذلك سنة سار عليها خلفاء صدر الإسلام،وصلحاء الأمة. حتى في سفره كان زاده العلم،لا ينقطع عن مدارسته والاستزادة منه، يروي يوسف ياسين في الرحلة الملكية إلى الحجاز،(وقد كان أحد مرافقيه في تلك الرحلة) أن في معيته عددا من العلماء،منهم الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ، قاضياً لجيشه، وإمامه في الصلاة، والشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ محمد بن عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ، الملقب بالصحابي، والشيخ عبد الله بن أحمد العجيري، والشيخ حمد بن محمد أبو عرف الخطيب، والشيخ عبد الرحمن النفسية، وأخوه حسين، وعبد الرحمن بن مشاري بن سويلم. فكان إذا استوى على راحلته نادى: العجيري فيقبل ويتلو آيات من الذكر الحكيم بصوت جهوري مؤثر،ويظل يتلو كتاب الله حتى يؤذن للفجر، وبعد أداء الصلاة،وشرب القهوة والركوب على الرواحل نادى: ابن الشيخ، فيقبل ويتلوا آيات بينات بصوت مؤثر خشوع، حتى طلوع الفجر،ويأمره بالسكوت،ويخلو السلطان بنفسه فيقرأ أدعية مأثورة من القرآن الكريم، أو مروية في الأحاديث الصحيحة، وكذا يفعل أكثر من في الركب،وبعد طعام الضحى (المضحى) والركوب على الرواحل نادى: ابن الشيخ، فيقرأ في صحيح مسلم ما يشاء، ثم يقرأ ما تيسر من السيرة النبوية من تاريخ ابن الأثير، فتحدث قراءتها أثراً كبيراً في النفوس،وبعد صلاة العصر، والمناداة بالرحيل،وبعد أن يستوي الناس على ظهور مطاياهم ينادي: ابن الشيخ، فيقرأ في كتاب (الترغيب والترهيب)، ثم في كتاب آداب بن مفلح، حتى إذا قاربت الشمس المغيب خلا بنفسه على راحلته،وقرأ الحزب الذي اعتاد قراءته كل مساء،وبعد صلاة المغرب وشرب القهوة، والركوب على الرواحل،نادى: ابن الشيخ، فبدأ حيث انتهى بالحديث في الصباح،وهكذا طيلة أيام الرحلة لا تنقطع صلته بالعلم والاستزادة منه. اهتمامات ثقافية وكان الملك عبد العزيز يخوض في ميادين الكلام،ويناقش المختصين، يقيم عليهم حججه، ويفرض براهينه، ويدافع عن مذهب السلف، دفاع العالم المتبحر في علمه؛ يخوض في علوم التاريخ والآداب والشعر، فيثير الدهشة والإعجاب،وكان له اهتمام خاص بالشعر، وقد نقش على قصره: لسنا وان أحسابنا كرمت يوماً على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا فقال بعض الأدباء عندما قرأ ذلك: ان علة الشرقيين أن يفعلوا مثل فعل أوائلهم، فأصلحها الملك: ونفعل فوق ما فعلوا. كسب الخصوم كان فؤاد الخطيب وزيراً لخارجية شريف مكة، الملك علي بن الحسين، فأرسله لمفاوضة السلطان عبد العزيز أثناء حصار جدة سنة 1343هـ (1924م) فعاد مفتوناً به مأسورا بشخصيته، ولم يلبث أن اصبح أحد رجاله والعاملين في ركابه. وكان نوري الشعلان، أحد مشايخ الرولة من قبيلة عنزة في بادية الشام في الثمانين من عمره عندما زار الملك عبد العزيز في مدينة الرياض، فقال له الملك عبد العزيز، وهو يشير إلى بعض من كانوا في مجلسه: أتعرف هؤلاء يا ابن شعلان. فقال: فيهم كرام من شمر. قال عبد العزيز، وأشار إلى أحدهم: هذا ابن فلان.. قتلت أباه بيدي،وهذا فلان ألقيته جريحاً أمام فرسي،وهذا فلان جاءني يوم كذا من ورائي يريد قتلي.هم كلهم اليوم ولله الحمد من رجالي وأخواني. قال نوري: سيفك طويل يا طويل العمر. قال عبد العزيز: ما أردت اصطناعهم وإنما أحللتهم في المكانة التي كانت لهم أيام سلطانهم. أنهم بين آل سعود كآل سعود.رشيد الناصر كان وكيلاً لابن رشيد في دمشق،ووسيطاً له مع العثمانيين يمده بالمال والسلاح. قال له عبد العزيز، بماذا أعاقبك؟ قال: بما تهوى، وما أنا بنادم على ما فعلت. قال: لقد أخلصت في خدمة صاحبك، وزال صاحبك،وما يزال فيك حس الإخلاص، فعد إلى دمشق وأنت وكيلي بها، وبقي مخلصاً لعبد العزيز إلى أن توفاه الله. إبراهيم الطاسان كان أحد ضباط الملك علي بن الحسين الهاشمي، سأله أحد العرفاء في الجيش السعودي،وهو يتسلم الأسلحة من ضباط جيش الإشراف، ما اسمك؟قال: إبراهيم الطاسان. (وكان معروفاً بالشدة في قتال السعوديين) فقال له العريف:واللعنة. فرد عليه إبراهيم الطاسان بالمثل،وعلت الأصوات.ووصل الخبر الى عبد العزيز، فلما أدخل عليه عرف فيه الإخلاص فعينه مديراً للطيران،فصار من كبار ضباط الجيش السعودي.((وكانت لديه قدرة عجيبة على احتواء الآخرين من شتى الثقافات والانتماءات والخلفيات أخضع البدو بشهامته وسخائه ورجولته، بايعه الريحاني اللبناني المسيحي، الأمريكي الجنسية وفيلبي الملحد ممثل الإمبراطورية،وتلاميذه محمد عبده، والأفغاني في العالم العربي،وعشاق الخلافة من مسلمي الهند،وثوارليبيا،والوفديون في مصر،والوطنيون في سوريا والعراق، كلهم بايعوه زعيماً للعالم العربي،واعتبروه المنقذ للعالم الإسلامي)). كان له مستشارون من مختلف الجنسيات العربية؛ من سوري، ولبناني، ومصري، وليبي، وعراقي، وفلسطيني،عملوا له بإخلاص إلا فيما ندر.يقول عنه سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز: ((..فالملك عبد العزيز معروف عنه أنه يؤلف القلوب، وفي سيرته الذاتية، والمعروفة والمكتوبة والمسموعة في كل أنحاء البلاد وفي العالم.. من أهم ميزات الملك عبد العزيز- وهي كثيرة والحمد لله- أن خصمه ولا أقول:عدوه، أقول: خصمه يقلبه إلى أقرب الناس إليه، وهذا واضح في كل سيرته. وقال عنه المندوب السامي البريطاني، السيربرسي كوكس: عبد العزيز لم يخطئ قط. مدحه المفكر الإسلامي المعروف عباس محمود العقاد،وقال فيه شعراً، وقال عنه أحمد حسين، ذلك الرجل الاشتراكي الثوري: بعد ما عرفت من أمر هذا الرجل الفذ ما عرفت، أصبحت أهيم به كما يهيم الناس بالأبطال، ولقد كتبت عنه في مصر الفتاة صفحات توشك أن تتقد من الحرارة حرارة الحب والإعجاب.وقال عنه الكاتب محمد التابعي: ((.. ما من شخصية قابلت عبد العزيز وخرجت ضده، أليست ظاهرة تستحق التأمل والدراسة..)). شجاعة نادرة وقيل عن الملك عبد العزيز: انه يمثل في سيرته، سيف المعز، وعدل عمر، وذهب الرشيد.وقد بنى هذه المملكة العظيمة على أمرين:توفيق الله له، ثم جهده وسيفه، ومات رحمه الله وفي جسده ثلاث وأربعون طعنة. قتل أخوه سعد،وكان أثيراً عنده عزيزاً عليه، فنزل عن فرسه، وأخذ يقبله فسدد له بعض من يتربص به طلقة أصابت خمس رصاصات كانت في حزامه فشقت بطنه بجرح طوله 15 سنتيمترا، فكتم الأمر، وركب إلى الأحساء ودخل القصر، بل وتزوج في تلك الليلة. شكا رحمه الله من ألم في بطنه لازمه قرابة ستة أشهر، وعندما كشف عليه طبيبه الخاص "رشاد فرعون"،وجد أن هناك رصاصتين مستقرتين تحت الجلد،لابد من استخراجهما،فحضر المخدر لإجراء عملية استخراجهما، فانفجر رحمه الله ضاحكاً،وطلب إبعاد المخدر، وأمسك المشرط بيده فشق الجلد الذي فوق الرصاصتين،وأمر الطبيب أن يبدأ مهمته.كان رحمه الله يدير المعارك ويقود الجيوش بنفسه، شجاعته تتضاءل عندها الأخطار والمخاوف،وأي شجاعة أعظم من قصة فتحه مدينة الرياض، ثم كيف طوى مدن شبه الجزيرة وبلدانها الواحدة تلو الأخرى، فوحد قارة من البلدان في مدة لا يقدر عليها إلا الشجعان أمثاله. تعرض للموت مرات،وجرح مرات،وهو ماض في تحقيق هدفه لا يخشى إلا ربه, حافظ وهبة كان أحد رجال الملك عبد العزيز،حضر معه أكثر من معركة وكان ممن رابط معه في الرغامة أثناء محاصرته لمدينة جدة، ماذا يقول؟ يقول: كان عبد العزيز يدير معاركه بنفسه،وكان رائده في معاركه خالد بن الوليد.. وأشهد أن جلالته بالرغم من الأخطار التي كانت تحيط به، ما كان يتزحزح من مكانه، لقد سقطت قنبلة أمام خيمته على بضعة أمتار، كما سقط غيرها على المخيم في الرغامة خلف التلال. الملك فيصل رحمه الله (ومن أصدق وأدق حديثاً منه عن والده رحمه الله) يقول:" قوة إرادته وشجاعته التي تبرز في أحرج الموقف،وأدق الظروف، وأذكر على سبيل المثال أنه كان في موقعة تدعى ((معركة الحريق)) فدارت الدائرة أثناء القتال على جيشه،وهم الجنود بالفرار،فبرز في مقدمة الصفوف ممتطياً جواده،ومتقلداً سيفه ونادى: (( أيها الأخوان من كان يحب عبد العزيز فليتقدم،ومن كان يؤثر الراحة والعافية فليذهب إلى أهله،فوالله لن أبرح هذا المكان حتى أبلغ النصر، أو أموت))، فسرت الحماسة والحمية في نفوس الجند،وعادوا،فشدوا على أعدائهم وكان لهم الفوز. كان كثير من جند عبد العزيز يمشي حافي القدمين، فكان يخلع نعليه،ويمشي مثله حافي القدمين، فعند ما واجه ابن رشيد عند قصر ابن عقيل خاطب جنده: أنا واحد منكم ومثلكم، أنتم ماشون وأنا ماشي، أنتم حفاة وأنا والله لا أنتعل،وهذا نعلي، وهذا ذلولي فمشى أمامهم حافياً، ومشوا وراءه متحمسين، فتحقق لهم النصر. كان جلداً صبوراً، قد يقاتل طوال النهار وقسطاً من الليل،ويغير سيوفه عدة مرات في المعركة الواحدة. قضى في الفروسية عشرين عاماً، لم يذق فيها طعم الراحة؛ فهو اما محارباً، وإما مستعداً لحرب. الوعي السياسي وتمكن عبد العزيز من استيعاب ما يدور في الساحة السياسية، ووعى جيداً التنافس بين القوى العالمية على السيطرة والنفوذ،وأدرك بحسه السياسي أي القوى في صعود، وأيها في هبوط، فتعامل معها بما لا يمس استقلاله وسيادة بلاده، بل عمل على توظيفها بما يحقق آماله وطموحاته. يذكر محمد جلال كشك، صاحب كتاب (السعوديون والحل الإسلامي) أن عبد العزيز كان يتمتع بميزتين الأولى: القدرة على فهم حركة التاريخ،ومن ثم حاول أن يرتبط بالقوى الصاعدة،لا أداة لها، بل مشاركاً في انتصاراتها،ويوقع خصومه في الارتباط مع القوى المنهارة فينهارون معها، والثانية: قدرته على الإقناع فيما يخطط ويرسم له،وقد استطاع بدهائه أن يقنع تلك القوى الصاعدة أن مصلحتها في تبني خططه وطموحاته.رسم عبد العزيز سياسته على أساس بناء القوة الذاتية،وتحقيق الوحدة الإقليمية، فكان مع التاريخ، مع شعبه لم يفرط في سياسته ولا احتاج يوماً لحمايته ضد العرب، أو ضد شعبه، ولم يرفع غير راية التوحيد"لا إله إلا الله محمد رسول الله". لم ينضم- رحمه الله- الى ركب الطاعنين في الظهر العثماني،وفشلت معه محاولة إنجلترا التي كانت تقود ذلك الركب، بل استطاع أن يقنعها بأنه ليس من مصلحتها أن ينضم إليها في حربها مع الأتراك. كان شخصية متفردة بكل المعايير، وكان يفهم علامات الدول والأيام،ويدرك ببصيرته التغيرات التي تدل عليها المقدمات. أثبتت الحوادث،والظروف والملابسات أنه كان ابعد نظراً من جميع المصطرعين داخل جزيرة العرب في تلك الحقبة من الزمن. كان سياسياً بارعاً، واقعياً لا يخدعه الخيال،ولا يتمسك بالأوهام، فعندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1332هـ (1914م) كان عبد العزيز يحارب ابن رشيد، وكان يجامل شريف مكة الحسين بن علي ويوالي حاكم الكويت مبارك الصباح، فكتب يقترح عليهم الاجتماع للمذاكرة والاتفاق، والتحالف مع دولة كبرى، حرصاً على صيانة الحقوق، وتعزيز المصالح، فكتب له ابن رشيد: بأنه مع الأتراك، وأرسل الحسين بن علي ابنه عبد الله، فاجتمع بمندوب عبد العزيز ولم يتفقاً، أما الشيخ مبارك فكتب لعبد العزيز يدعوه لمفاوضة حاكم الهند البريطاني. كانت بريطانيا من جهة، والدولة العثمانية ومن ورائها ألمانيا من جهة أخرى كل منهما يخطب ود عبد العزيز ويسعى لإرضائه فعرف بحسه السياسي كيف يستفيد من هذا التنافس، فقرر التزام جانب الحياد، بينما أخذت القوى المحلية الأخرى هذا الجانب أو ذاك، فأصبحت أسيرة له، مكبلة بقيوده.((وهل يمكنني محاربة الإنجليز والأتراك في وقت واحد)) هذا ما رد به عبد العزيز على الشيخ مبارك الصباح،عندما أشار عليه بالتشدد والتصلب في مفاوضة الإنجليز والأتراك في آن واحد. كان لعبد العزيز خصوم، وفي مقدمتهم ابن رشيد، وشريف مكة،وبعض زعماء الأخوان، الذين تمردوا عليه فيما بعد، فحاول هؤلاء الخصوم أن يحتموا بالقوى العظمي، إلا أنه سلك مسلكاً من التوازن السياسي مع تلك القوى مما فوت الفرصة على أولئك الخصوم، فأحبط أعمالهم. ((لماذا لا تتركهم على ما هم عليه؛ لتسلم من سوء فهمهم لك، ولتطورات العصر)) سؤال أو اقتراح طرحه عليه أحد رجاله،عندما كان يقوم الأخوان بغارات على حدود الكويت والعراق والأردن. فغضب عبد العزيز غضبة شديدة،وقال- ما معناه-: ((كيف تجرؤ على قول هذا الكلام عندي؟! أتريد أن أرميهم في التهلكة، وأعرض وحدة هذا الشعب إلى الأخطار والتبدد والتوزع؟ أنهم لحم وعظم، سلاحنا بندقية وسلاح بريطانيا وفرنسا، بل والغرب أجمع قلاع من الحديد من الأرض وفي السماء قنابل الموت والدمار، أتريد مني أن أضحى بإخواني،وفئة من شعبي لا تدرك حقائق العصر ومخترعاته؟ أعوذ بالله منك ومما قلته؛.!! ليكن في علمك وعلم سواك أنني قبل أن أخرج من الكويت أفرغت نفسي لقراءة ما أمكنني قراءته من التاريخ، وخصوصاً تاريخ دولتنا الأولى والثانية،وكيف قامتا، وكيف صانهما رجل، وكيف سقطتا على يد آخر, تكونت لدي آنذاك صورة عن جزء من التاريخ في قيام الدول وسقوطها. وسيرى من يأخذ علي وقوفي عند هذه الحدود أني بذلك على صواب. هذه الحدود يقف عليها في الجهة المقابلة في العراق، في الأردن، في فلسطين، في دمشق، في مصر، في عدن والخليج العربي إلى ما وراء ذلك،استعمار بغيض. شعوبنا العربية في هذه البلاد لست أقوى منها،ولا تملك بلادي قدراتها المادية والبشرية،وليس شعبنا أكثر منها وعياً،وهي شعوب أملت على التاريخ حضارات عظمى،وفتوحات في عالم واسع،وقد جئت إلى بلادي بحسابات دقيقة أملاها علي التاريخ وأرسلتها إلى الأحداث والعبر خصوصاً من دولتنا الأولى والثانية. احتفظ في ذاكرتي بتلك الرسالة التي أرسلها أحد أعمامي الكبار إلى السلطان سليم الثالث. والتي بدأها بقوله: " من سعود إلى سليم" هذه الرسالة ما كانت تحمل إلا خيراً لذلك السلطان، لكن ماذا نتج عنها؟ فسرت تفسيرات خاطئة، واستوحشت منها الدولة العثمانية في استامبول وأحاطتها الحاشية السيئة بكل الشكوك والظنون، فلقد كان عمي- سعود الكبير- حسن النية عندما كتبها، لكنه ما قدر عاقبتها، والتفسيرات التي أساءت فيها الظن.هو ( رحمه الله) قدر أن مسئوليته من دينه وعروبته أن يعمل على تصحيح مسار الخطأ والتجاوزات على القيم وعلى الشعوب الإسلامية، بسبب استبداد وجور من تعطيهم (استامبول) مسؤولية حكم هذه الشعوب، فأخذ بعد دخوله الحجاز يتطلع إلى الخروج من حدود شبه الجزيرة العربية إلى البلاد العربية،وربما في حساباته معالجة ما قيل عنه أخيراً على لسان الاستعمار (الرجل المريض) هذا هو عبد العزيز في تعاملاته السياسية،ووعية لمواقف سابقة استفاد منها في تحديد مساره السياسي في التعامل مع ما حوله من قوى مصطرعة، يسير في دربه السياسي بثقة وحكمة واتزان. قابل "غلوب باشا" الملك عبد العزيز سنة 1347هـ (1928م) فقال عنه: " انه شخصية مذهلة، كما لو كان رئيس أعظم دولة في العالم". فون وايزل،نمسوي يعمل مندوباً لشركة((أولشتاين))الألمانية زار جدة في أواخر سنة 1345هـ (1926م)وصف الملك عبد العزيز وقال: ((حسبي أن أقول أني معجب به، فقد خيل إلي وأنا أحادثه أني أمام بسمرك منشئ الوحدة الألمانية،ولا أظنكم تخالون أني أبالغ في القول، وإذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف إمبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معاً، بعد أن كان زعيماً بسيطاً لا يقود في بادئ الأمر سوى خمسة عشر رجلاً، تمكن بمساعدتهم من استرداد الرياض عاصمة أجداده، لم يداخلكم الشك أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يسمى " نابغة"، وقد اتضح لي أن ابن سعود يشبه الساسة الإنجليز كثيراً في سياسته وخططه، فهو مثلهم لا يضيع الوقت بإعداد النظريات ورسمها، ولكنه يصبر متحيناً الفرصة إلى أن تسنح فينتهزها،وهو بذلك على عكس خصمه القديم الملك حسين،ولذلك قهره وتغلب عليه. وفي ابن سعود ميزة أخرى، هي أنه كريم وصادق، وحادثته مرتين في شئون مختلفة كان بعضها دقيقاً جداً، فلم ألحظ قط أنه يلبس الباطل ثوب الحق، نعم كان سياسياً أحياناً في أجوبته، فلا يقول كل ما يعرفه،ولكنه لم يتلفظ بكلمة واحدة غير صادقة.والظاهر أن هذا شأنه مع الجميع، فأني لما قابلت القناصل الأجانب في جدة قالوا لي:" إذا قال لك ابن سعود شيئاً، فثق أنه يقول لك الحقيقة التي لا تشوبها شائبة". بالشخصية نفسها وبالسمات نفسها سار الملك عبد العزيز في جميع تعاملاته مع قضايا أمته العربية والإسلامية وأحداثها. لخص حافظ وهبة رأي الملك عبدالعزيز في قضية فلسطين، وقال: (( لقد كان رأي جلالة الملك عبد العزيز دائماً عدم اشتراك الدولة العربية في أي حرب في فلسطين؛ لأنه كان يعلم اختلاف الأهداف والغايات التي كانت تدفع بعض الدول العربية، وأنه من الأفضل تسليح أهالي فلسطين ومساعدتهم مادياً للدفاع عن بلادهم،وكان هذا رأي المرحوم محمود فهمي النقراشي، ولكن لأمر أراده الله للأمة العربية تغلب الجهل وقصر النظر على العقل، كما تغلب الهوى والخيانة على العقل والوطنية،فوقعت الكارثة على فلسطين)). في منى وفي 24 إبريل من حج سنة 1931م، ولمدة نصف ساعة ارتجل الملك عبد العزيز خطبة بليغة لخص فيها موقفه من قضايا الأمة الإسلامية،وجاء فيها: ((ان الإسلام ليس دين ابن سعود ولا دين الشريف، أنه دين الله، ولهذا فإني أقدم عوني المتواضع لكل من يخدمه،ويخلص له النية كما أني أشد الأعداء على من يعارضونه،وليس لي ما أخافه من المسيحيين، ولكن الذي أخشاه حقيقة هو انقسام المسلمين على أنفسهم،ولهذا يجب أن نتحد،وعندئذ لا يستطيع أحد أن يؤذينا، أو يسيء إلى ديننا)). يقول فيلبي: ((ولقي حديثه تقديراً واضحاً حقيقيا لدى غالبية السامعين،عبروا عنه بتصفيق حاد عند نهايته، ولقد كان هذا الحديث حديث معركة وكفاح حقيقة، وكان جديراً بهذه المناسبة، وبرجل كان في الواقع خليفة للمسلمين)). العدل ((لا يدوم الملك بدون عدالة)) أحد الشعارات الأثيرة لدى الملك عبد العزيز. تسمع كلمة (عدل ابن سعود) في كل مكان تسير فيه؛ في البر والبحر، يرددها المشاة والركبان في كل مكان يمتد فيه حكم الملك عبد العزيز، من الأحساء إلى تهامة، ومن الربع الخالي إلى الجوف. يضرب أمين الريحاني مثلاً صغيراً ولكن له مدلولاته الكبيرة في عدل عبد العزيز، فيذكر أنهم في العقير احتاجوا إلى حطب كثير، وكان قليلاً في تلك المنطقة مما يجعل البدو يغالون في أثمانه؛ لعلمهم بقلته وحاجة الشيوخ إليه، وفي أحد الأيام ساوم قيم السلطان أحد الحطابين على أربعة أحمال،وكان سعر الحمل نصف روبية، فطلب الجمال روبيتين،ونزل بعد مساومة إلى روبية ونصف، فدفع له القيم روبية واحدة، فأبى الجمال، وسار بأحماله. فقال القيم: بدوي قواد لولا الشيوخ والله لأدبته. يقول الريحاني: ولو كنا في معسكر تركي، أو أوروبي، وكان الجيش بحاجة إلى الحطب فهل تظن أنهم كانوا يعاملون هذا الحطاب مثل هذه المعاملة؟! بل كانوا يكرهونه على البيع بما يريدون، ثم يسخرونه. نشرت جريدة عكاظ في عددها الصادر في 23/6/1931هـ حديثاً لسمو الأمير فواز بن عبد العزيز،عن والده جاء فيه:.. وكان مربياً كبيراً، ضربني مرة لأني تعديت على أحد الجنود، وقال لي: "هذا الجندي يسواك،وكذلك أي مواطن في الشارع، لا تعتقدوا أنكم وحدكم أولادي، أنتم وأولاد الشارع متساوون عندي، ولا يمكن أن تكونوا مغرورين، أو أي شيء من هذا النوع لأنكم أبنائي.. هؤلاء أبنائي مثل ما أنا أبوكم". الجميع سواء أمام عبد العزيز، فهو عادل، مع الكبير والصغير، الغني والفقير، كما هو عادل في رضاه وغضبه رحمه الله. ولأن العدل أساس الملك، فقد كان الأمن أول مظاهر هذا العدل، تسير القوافل أربعين يوماً في ملك عبد العزيز من القطيف إلى ابها، ومن وداي الدواسر إلى وادي السرحان،دون أن يتعرض لها أحد، أو تسأل من اين؟ وإلى أين؟ كانت الطرق في الأحساء لا تعبر في عهد الأتراك إلا بقوة، أو دفع "الخوة"،وكان طريق التجارة إلى نجد بين العقير والحسا أكثر الطرق خطراً، وكانت المسافة بين العقير والهفوف أربعين ميلاً، لا يقطع المسافر فيها خمسة أميال، أو عشرة إلا بدفع الخوة، فإذا جاء التاجر من البحرين يدفع خوة للعجمان قبل أن تطأ قدمه العقير، وبين العقير والنخل خمسة أميال، يدفع فيها خمسين ريالاًٍ خوة للمناصير،ومن النخل إلى أم الذر خمسة أميال يدفع فيها خمسين ريالاً خوة لبني مرة، ومن أم الذر إلى العلاة يدفع خمسين ريالاً خوة لبني هاجر،وهكذا.. حتى يستطيع التاجر أن يحافظ على حياته وشيئاً من نقوده وبعض أحماله. وكان عسكر الترك لا يستطيعون حماية هؤلاء التجار، بل كثيراً ما يطاردهم البدو فيغلبونهم، ويغنمون متاعهم، ويعود الترك إلى الحسا حفاة عراة ويجيء البدوي راكبا حصان التركي مختالا متبختراً على مرأى من السلطة التركية. أما ما أصبح عليه حال الحسا في عهد عبد العزيز فيقول عنه أمين الريحاني: ((مررنا في النفود بجمل بارك، رازح تحت حمله، فسألت عن صاحبه، فقيل: لي أنه سار في طريقه،وسيرجع بعد أن يصل إلى البلد بجمل آخر يحمل البضاعة وقد يموت الجمل الرازح، ويبقى حمله على قارعة الطريق عشرة أيام فيعود صاحبه فيجده، وما مسته يد بشرية، كما تركه في مكانه ). استطاع الملك عبد العزيز أن يقيم العدل، وينشر الأمن بأمرين: التمسك بالدين وتطبيق أحكامه تطبيقاً لا يعرف التردد ولا التميز . ثمانمائة ميل شرقاً وغرباً، ومثلها شمالا وجنوباً تسير فيها القوافل وهي تدعو لعبد العزيز بطول العمر، وتشكر الله على نعمة العدل، ونعمة الأمن . الكرم والسماحة وكان الملك عبد العزيز يطفح جوداً وسماحة، وكان يحمل معه في ذهابه وإيابه صرراً من الريالات يوزعها على الفقراء . يقول أمين الريحاني : ( يوم وصلت الرياض هالني عندما انخنا أمر أولئك العربان من بدو وحضر واخوان . رأيتهم جالسين خارج القصر، وداخل القصر في الاروقة على مجالس من الطين، رجال وصبية، وبأيديهم العصب وينكتون بها الأرض، أو يرفعون رؤوسها إلى شفاههم يداعبونها مثل اماجد الإنجليز، وكل واحد منهم رب أمره ملتف برداء العظمة والسكينة كأنه أمر خطير لا ينظر إلى جاره، ولا يكترث به، مئات من الأمراء جالسون صامتون يتفرجون، سألت رفيقي: هل جاءوا يتفرجون علينا؟ فقال: لا إنما الآن وقت الغداء وهم ينتظرون الأمر بالدخول .. . كما يذكر الريحاني، انه كان يشاهد معرض العطاء في الرياض كل يوم مدة اقامته، ويعجب من ايمان عبد العزيز وثقته بالله في دوام هذا العطاء، وعدم انقطاعه رغم قلة الموارد في بلاده، وكان ذلك قبل اكتشاف البترول . كان كرم الملك عبد العزيز طبيعيا لا تكلف فيه، يبذل بسخاء ويعطي بلا حدود وكان ضيوفه الدائمون لا يقلون عن خمسمائة كل يوم، تمتلئ بهم بيوت الرياض وبطحائها، وكان في الرياض ما يتراوح بين الالف والالفين من السباهلة والفقراء يأكلون في القصر مرتين كل يوم، الظهر والمساء وفيها قرابة مائة من أسرة آل الرشيد تكفل عبد العزيز ما يلزمهم من إبل وخيل وثياب ومؤنة وجوار وعبيد.. كان يرحمه الله يربي أبناءه على حب الناس والعطف عليهم وتوقير كبارهم والرحمة والعطف على صغارهم والتصدق والإنفاق على فقرائهم، وكان يسلك في ذلك أسلوبا تربوياً مؤثراً، يضرب في ذلك أروع الأمثلة ويجعل من نفسه مثلاً يحتذى به . يقول الزركلي : ( وبينما هو في إحدى نزهاته بالرياض، ومن خلفه في السيارة اخوه الأمير عبد الله بن عبد الرحمن والسيد حمزة غوث، وأنا ومعنا أحد صغار أبنائه "عبد المجيد" وسنه يؤمئذ حول الخامسة أعطاه عبد العزيز قبضة من الاريل، وارتقب ماذا يفعل لها، وبدأ عبد المجيد يلعب بالأريل، فقال له : أعط إخوانك يا عبد المجيد فوزعها علينا ونحن بدورنا دفعناها للخادمين الواقفين على رفرفي السيارة من الجانبين، وادخر حمزة غوث بعض ما اخذ، فدسه في جيبه، وبعد هنيهة التفت عبد العزيز سائلاً : أين الأريل يا عبد المجيد ؟ فمد هذا يديه فارغتين . فقال أنفقت ما معك ؟ فقال : أي . قال لا تخف يعوضك الله عنها، وأعطاه غيرها ومازال يعطيه وعبد المجيد يوزع حتى أدركنا ان الأب يلقن الابن درساً عملياً في الكرم، ويشعره من الطفولة بأن الجود لا يفقر .. ).