بمجرد إلقاء النظرة الأولى إلى عنوان الكتاب يتبادر إلى الذهن هذا السؤال: كيف تفكر النخب والجماعات السياسية والإعلامية والدينية بشطريها المسيحي واليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الإسلام والظاهرة الإسلامية السياسية التي اجتاحت العالم خلال السنوات الأخيرة؟ ولعل في تبدل العلاقة بين الإسلام والغرب الذي توارثت أجياله على العموم صورة مشوهة عن الإسلام والعالم الإسلامي والظاهرة الإسلامية على خلفية الأحداث في تقديم الصورة العدائية البعيدة عن سماحة الإسلام والمسلمين.
كتاب (مستقبل الإسلام السياسي.. وجهات نظر أمريكية) لمؤلفه د. أحمد يوسف هو أحد الكتب التي تخوض في الآراء المستجمعة لدى المجتمع الأمريكي عن الإسلام (كدين) وعن المسلمين (كمعتنقين)، تلك الآراء التي لا يزال يلف الكثير منها الضبابية والغموض مما يستوجب إماطة اللثام عنها من أجل نشر الحقيقة بعد الوصول إلى منها في معرفة أول طريقها.
والكتاب في واقعه ينقل وجهات نظر (10) أساتذة أمريكيين في موضوع الإسلام والمسلمين مما يمكن اعتباره كتاباً مترجماً إذ جاء التعريف به من هذا المنطلق.
في (مقدمة) الكتاب التي كتبها الباحث والمتخصص في الدراسات الإسلامية (زكي الميلاد) جاء ما نصه على الصفحة (6): (.. ما أظهره الوجود الإسلامي من سلوك سياسي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي فاز بها المرشح الجمهوري (جورج بوش الابن)، حيث استوقف انتباه المراقبين لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأمريكية، ما بات يمتلكه الوجود الإسلامي من قدرة تأثير لها وزنها في الحسابات السياسية، وإمكانية أن يطور هذا الوجود من فعالياته وطاقاته وسلوكياته في التأثير على الحياة السياسية الأمريكية).
وفي (مدخل) الكتاب الذي تولى د.أحمد يوسف كتابته تحت عنوان (الصحوة الإسلامية في منظار الغرب.. الرؤية الرسمية والأكاديمية لجماعات الإسلام السياسي) يدون المؤلف على الصفحة (11) من الكتاب هذه الأحداث والوقائع كخلفية ربما لفتت الانتباه لماهية الإسلام السياسي: (منذ تصاعد ظاهرة الصحوة الإسلامية في بداية السبعينيات ومع اندلاع الثورة الإيرانية سنة 1979م- 1379هـ إلى أحداث العنف التي وقعت في العديد من البلدان في مطلع الثمانينات، واغتيال الرئيس المصري أنور السادات، وتدمير مقر مشاة البحرية الأمريكية في لبنان.. وغيرها من الأحداث، والغرب - وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية - يشغله التفكير في الظاهرة الإسلامية وكيفية التعامل معها.
في الفصل الأول (مستقبل الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط) الذي كتبه د. تشارلز بترورث نطالع نصاً ورد على الصفحة (31) يذكر فيه: (إن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة.. هو: لماذا يدافع الغرب بشدة عن الحرية بصفة عامة ثم ينتقد الإسلام انتقاداً حاداً بدعوى أنه غير متحرر.. وغير علماني؟ ألا يعني إيمان الغرب بأن الحرية التي ينادي بها ليلاً ونهاراً، يجب أن تكون مقصورة عليه - أي على الغرب - هو وحده فقط؟
والسؤال الثاني الذي أطرحه أيضاً هو: كيف نقدم صورة دقيقة وواقعية للعالم العربي والإسلامي من خلال ما يجري فيه حالياً من أحداث دون العودة إلى ما خلف الأحداث وإلى الأصول الفكرية والتاريخية؟.
ويكتسب هذا السؤال أهميته من هذا الكم الهائل في الأحكام السابقة التجهيز التي يصدرها الغرب عن الظاهرة الإسلامية من خلال استقراء سطحي للأحداث الآنية، وهو استقراء ناقص وغير منطقي لأنه لا يصل إلى عمق الحقائق ويكتفي بالقشور. ومن هنا تأتي الأحكام والآراء التي يتم ترسيخها في الوعي الغربي عن خطورة الإسلام.. وهي أحكام بعيدة عن الدقة، لأنها باختصار بعيدة عن الأمانة العلمية.
وجاء عنوان الفصل الثاني (الحركات الإسلامية والمصالح الغربية.. حتميات استراتيجية) الذي كتبه جراهام فوللر لنقرأ ما دوّنه على الصفحة (41): لقد قضيت سنوات عديدة في العالم الإسلامي، وأكن احتراماً كبيراً وتقديراً عالياً للثقافة الإسلامية، وكنت مهتماً على وجه التحديد بقضية العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي..
والقضية ليست المواجهة الدينية.. وإنما هي أكثر تعقيداً من ذلك ونحن نسعى إلى حلها بوسائل مختلفة: أولاً: ما شكاوى المسلمين؟ كلها مشاكل تاريخية ونفسية ومشاكل الاستعمار والامبريالية والقوة العسكرية للغرب، وتدخلات الغرب في العالم العربي، وقضايا اقتصادية.. وما شكاوى الغرب إذن؟ هي عبارة عن هواجس نفسية ومشاكل عسكرية واقتصادية إلى جانب النفط.
الفصل الثالث (أين تقف الحركات الإسلامية اليوم؟) لـ د.مايكل كولنز دون نقرأ في تفصيلاته في الصفحة (53): الحركات الإسلامية التي أتناولها.. هي الحركات التي لها برامج سياسية، وتطلق عليها مصطلحات عديدة مثل (الإسلامية) و(الإسلام السياسي)، أو (الأصولية)، كما يسميها أعداؤها. ولا يعني هذا التحديد أنه لا يوجد سوى هذه الحركات التي يمكن أن نطلق عليها حركات إسلامية؛ فهناك حركات إسلامية كثيرة لا تضع الهدف السياسي ضمن أهدافها.
ويأتي عنوان الفصل الرابع (الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط.. النشأة، التطور، المستقبل) بقلم د.ستيفن بيلينر لنقرأ على الصفحة (65): إن النصائح التي يقدمها الخبراء للإدارات الحكومية في الغرب حول الأصولية في العالم الإسلامي يجب أن ينظر إليها بكثير من الشك، وذلك لأن معظم المعلومات التي يقدمها الخبراء في هذا الشأن لا يمكن الجزم بصحتها، والناظر في ظاهرة الأصولية في العالم الإسلامي يدرك دون عناء أن هذه الظاهرة على درجة كبيرة من التعقيد وتحوطها كثير من الأوهام والتصورات غير الصحيحة مما يعوق عملية فهمها..
وعند عنوان الفصل الخامس (الحركة الإسلامية.. وجهة نظر دبلوماسية) الذي كتبه د.روبرت نيومان نقرأ هذا النص الحيادي المنقول من الصفحة (95): بداية فإنني أعلن رفضي للفكرة الغربية المسيطرة والقائمة على أن الإسلام هو العدو الجديد للغرب، وأن قيام دولة إسلامية يعني قيام إمبراطورية الشيطان، فالعالم شهد إمبراطورية شيطان واحد تمثلت في الحكم الشيوعي.
إن المعالجة المنهجية الصحيحة لعلاقة الإسلام والغرب لا يجب أن تنصرف إلى معالجة جدلية للعقيدة الإسلامية، لأن العقيدة سواء كانت العقيدة الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية تتميز بتركيب معقد جداً، وإنما يجب أن نركّز على ما يفعله الإسلاميون أو المسلمون وليس اعتقاداتهم.
الفصل السادس: (الإسلام والإصلاح السياسي في شمال أفريقيا) الذي كتب بقلم د. لويس كانتوري نقرأ فيه هذا النص المدوّن على الصفحة (103): .. عكفت على دراسة الفلسفة السياسية للفيلسوف الألماني هيجل.. ولعل أهم ما أثارني في دراستي لهيجل تعاطفه الشديد مع الدين وتأكيده على أهميته البالغة في حياة البشر والشعوب..
وفي الفصل السابع (الإسلاميون والأنظمة العلمانية.. هل العنف ضروري؟!) بقلم جويس ديفز نقرأ نصاً على الصفحة (113) تقول كلماته: (إن كلاً من صناع القرار والمواطنين الأمريكيين العاديين لديهم صورة مشوهة عن الإسلام والعالم الإسلامي. وليس من السهل تغيير هذه الصورة السلبية لأن الناس عندما يتبنون أفكاراً معينة عن أية قضية أو جماعة حتى لو كانت غير مرتبطة بالإسلام يكون من الصعب إقناعهم بإخراج هذه الأفكار من عقولهم).
اما الفصل الثامن (التحدي الذي يواجه الحداثة.. المسيحية والإسلام والمستقبل) وهو بقلم د.انتوني سوليفان نقرأ على الصفحة (121) هذا النص الطموح: (هناك عدد كبير من المفكرين ذوي التأثير في الغرب الذين يشاركونني الاعتقاد في إمكانية الوصول إلى أرضية مشتركة ومصالح مشتركة بين المسيحيين والمسلمين، ويطمحون في تحقيق هذه الغاية، ومع هذا فإن هناك العديد من المفكرين الأمريكيين المهمين الذين لم يتمكن المفكرون الإسلاميون من الاتصال بهم رغم أنه قد يكون لديهم إسهام مفيد في الحوار المنتظر بين الإسلام والغرب.
واليوم وبعد انتهاء وزوال الخطر السوفييتي فإن العديد من الاختلافات التي قضت مضجع المحافظين الأمريكيين في الثلاثينات والأربعينات قد عادت لتطل برأسها من جديد، بل إن بعضها عاد بصورة أكثر حدة).
فعلى سبيل المثال نقرأ في الصفحة (122): (إن مصطلح المحافظة conservatism في القاموس السياسي والفكري الأمريكي أصبح بلا مدلول أو معنى محدد، ويستعمل حسب الحاجة لمعان مختلفة، إلا أننا يمكن أن نميز ما يمكن أن نسميهم بمجموعة الأمريكيين المحافظين الذين يمكن أن يهيئوا لتطوير الحوار الغربي - الإسلامي. ويمكن التمييز داخل هذه المجموعة بين مجموعتين تعتبران على علاقة ودية وحميمة مع المسلمين ومع الصحوة الإسلامية المعاصرة..). وفي الفصل التاسع (الإسلام السياسي والسياسة الخارجية الأمريكية) نقرأ بقلم جون اسبوزيتو هذا النص الوارد على متن الصفحة (133): (نناقش في هذا البحث دور الإسلام السياسي في الوقت الحاضر والتساؤلات المثارة حول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه ظاهرة الإسلام السياسي. وسوف نلحظ وجود مواقف متعددة في هذا الموضوع.
وعندما نتحدث عن الإسلام السياسي فإننا في الواقع نتحدث عما يمكن أن نسميه إعادة اكتشاف الإسلام في السياسات الإسلامية المعاصرة وهي الظاهرة التي حدثت خلال العشرين أو الخمس والعشرين سنة الأخيرة).
الفصل العاشر (أبعاد الحملة ضد الإسلام في الإعلام الأمريكي، دراسة في الخطاب الصحفي) لآرثر لوري نقرأ هذا النص على الصفحة (147): (أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تغييرات ملحوظة في السياسة الخارجية الأمريكية، فقد أصبح متاحاً أمام الولايات المتحدة - باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم - التدخل أينما تشاء ووقتما تشاء في أي مكان في العالم دون عوائق باستثناء الاعتبارات الداخلية فقط. كما أدى انتهاء الحرب الباردة إلى ظهور قوى عالمية جديدة فرضت نفسها على اهتمامات صانع القرار الخارجي الأمريكي. فلم يعد الحلفاء الأوروبيون بحاجة إلى المظلة النووية الأمريكية، وبالتالي فإنهم لن يظلوا تابعين تماماً للقيادة الأمريكية كما كان الحال من قبل. وأصبحت الأمور التجارية تحتل قائمة الأولويات لدى السفراء الأمريكيين في الخارج، مثلما كان الأمر بالنسبة لسفراء الدول الأوروبية الحليفة لسنوات طويلة).
وفي (خاتمة) نقرأ هذا الاستنتاج على الصفحة (161): (مع إطلالة القرن الحادي والعشرين ما زالت معظم الدول العربية والإسلامية وحتى الغربية تشهد تنامي وبروز ظاهرة.. وبالرغم من كل مظاهر التحامل والتشويه للظاهرة الإسلامية، والتي عملت الكثير من الدوائر الغربية الرسمية وغير الرسمية على إلصاق تهمة التطرف والإرهاب بها. إلا أن هذه الظاهرة حافظت على زخمها واتساع قاعدتها الشعبية. وشكلت في طرحها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بديلاً يتهدد استاتيكية الحالة الراهنة، ويشكل مقاربة لمطالب التغيير المنشود في خطاب النخبة والجماهير).
الكتاب: مستقبل الإسلام السياسي (وجهات نظر أمريكية)
المؤلف: د. أحمد يوسف
الناشر: المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء
عدد الصفحات: 266