لماذا تحرص الأديان والثقافات والقيم المجتمعية، على (الأخلاق)؟ أتحدث هنا عن الأخلاق بصفتها المجردة، التي يتفق على رفعتها ونبلها كل الحضارات وكل الأفراد على اختلاف مرجعياتهم وأديانهم وأفكارهم.. هل سبب الحرص أن الأخلاق تنظم تعاملات الناس مع بعضهم وتكفل حقوقهم؟.. هل لأنها تطرح نوعا من البركة لا يمكن تفسيره بطريقة منطقية محسوبة؟.. عموما الجميع يؤمن بأهمية الأخلاق في تنظيم حياة المجتمعات، لأسباب كثيرة وعلى رأسها، أن تكون الحياة صالحة للعيش المشترك في حياة تتنازعها المصالح وتتضخم فيها الأنا والحرص على المنافع.. حتى الأفراد المتدنون أخلاقيا أو الفقراء بالإتيكيت الأخلاقي لا يرغبون إلا أن يكونوا محاطين بأشخاص متخلقين بالرفعة وبمنظومة قيمية راقية، حتى لو كانت لا تشبههم..
اكتساب الأخلاق الرفيعة له مصدران، إما فطرة جينية لدى الإنسان تدفعه بدون تكلف إلى الركون للأفعال النبيلة، تصقلها أو تدعمها التنشئة الاجتماعية السليمة، أما المصدر الثاني، فهو الثقافة والطبقة الاجتماعية والفكرية التي ينتمي لها الفرد، فبعض الأفراد لديهم نوازع غير سوية تماما، كالنزوع للكره والغيرة لكنهم تلقوا تعليما وتربية تهذب هذه النوازع سلوكيا في أفعالهم، فهم على درجة عالية من التعليم والتربية مكنتهم من السيطرة على انفعالاتهم وتصرفاتهم، فهم كما يحافظون على هندامهم وطريقة أكلهم وحديثهم، يحاولون أيضا التجمل في ردود أفعالهم وعلاقتهم بالآخرين، وهذا يندرج تحت تعليمات الإتيكيت التي نشؤوا عليها.. والذي حظي بفرصة التعرف على الثقافات المختلفة إن كان من دول متحضرة أو طبقات اجتماعية عليا سيلاحظ أن معظم المنتمين لها يتصرفون بإتيكيت جميل في معظم أفعالهم، حتى يُخيل لك من فرط رقيهم أن معظمهم نشأوا بفطرة نقية متشابهة، ولكن هذا غير صحيح، فهم كباقي الأفراد من حيث التكوين النفسي، ولديهم نوازع داخلية مختلفة، فيها الخير والشر والحب والكره؛ لكن لا تظهر بصورتها المشوهة في سلوكهم كما يحدث مع فقراء الإتيكيت..
الطبقة والثقافة الضحلة تُعّلم أفرادها؛ أن الحديث بجرأة وفظاظة هو أحد أنواع الثقة، كما تبيح التصريح أو إظهار مشاعر الكره تحت ذريعة الصراحة!!
أخيرا؛ نحن لا نستطيع إكساب الناس الأخلاق الرفيعة والنوايا الحسنة لأنها مسألة فطرية في المقام الأول؛ لكن نستطيع رفع الوعي الاجتماعي بأهمية تعلم الإتيكيت الأخلاقي، وضبط النوازع النفسية غير المعتدلة عن الخروج بشكل مشين أمام الآخرين.