بمغيب شمس يوم 4 ديسمبر 2017 تأكد العالم أن الرئيس اليمني السابق (علي عبدالله صالح) أصبح في عداد الموتى، وأنه انقطع كل عمله السياسي والبشري من سجلات عالمنا الدنيوي. صالح من أطول الرؤساء اليمنيين الذين مارسوا السلطة، واستطاعوا بطرق كثيرة، الاستمرار في هذا المقعد الحرج الذي يهتز طوال الوقت. كان الرجل من السياسيين العرب الذين لا يمانعون من الاقتراب من الجماهير. وكان صالح يعرف كيف يقترب من الإعلام والأضواء، وكيف يتجنبها، وبحذر وبراعة. عندما اشتعلت أزمة الجنوب في أواسط تسعينيات القرن الماضي، استوقفه صحفي من مؤسسة إعلامية مشهورة، وسألة سؤالا عن تطورات الموقف، وكان حينها الرئيس صالح في لندن، ويعرف تلك الوسيلة، وتوجهها، وموقفها مما يحدث في بلاده، المفيد أنه استمع إلى سؤال الصحفي بإنصات، ولما انتهى من طرح السؤال التفت صالح إلى أحد مرافقيه، وسأله عن من تكون هذه الوسيلة الإعلامية؟ ولما سمع الجواب التفت إلى الصحفي، وقال: أنتم ضدنا. واستدار وغادر المكان.
في مؤتمرات القمة العربية كانت وسائل الإعلام تعرف الطريقة الخاصة لصالح، وكيفية التعامل معه، فهو يقول بطريقته كثيرا مما يدور بين القادة العرب الذين يعرفهم عن قرب على مدى ثلاثة عقود، دون أن يقول في نفس الوقت ما يمكن أن يشير صراحة إلى أنه عبر عن موقف سياسي هنا، أو هناك.
في محنة الغزو العراقي للكويت، كان صالح أحد الذين وجد الإعلام في تحركاتهم وتصريحاتهم مادة مهمة لتسجيل المواقف العربية، وتحديد وجهة بعضها، فمنذ الاجتماع العاصف في القاهرة للجامعة العربية برئاسة مصر؛ لبحث معضلة الغزو في أيامه الأولى كان لليمن عبر صالح موقف معين، وكان لهذا الموقف العلامة الأبرز التي مكنت صالح من الاقتراب من الناس، عبر بحث الإعلام عنه بشكل محموم. كان مقتنعا بوجهة نظره، وأسعدت تلك النظرة الكثيرين، وأغضبت الكثيرين في ذات الوقت، وبقي صوته، الحاد، وحماسه للدفاع عن موقفه، والمواقف التي تتفق معه ظاهراً طوال الأزمة.
الوحدة في اليمن بين شطريه جهد تاريخي كما يراه أهل اليمن من الساسة أو كثير منهم، وهذا الموقف من المحطات التي خلقت لصالح أعداء، وأصدقاء إقليميين، ودوليين. ويعتقد الكثيرون أن الرجل راهن على تاريخية الحدث، ولم يتردد في محاولة تسجيل تلك اللحظة باسمه. وحاول حينها إقناع المجتمع الدولي بأهمية ذلك العمل، وكانت هناك اتصالات يمينية حثيثة للوصول إلى قرارات ومواقف دولية تدعم موقف ورؤية صالح. إقليميا كان هناك محبون، وكارهون وهذه طبيعة السياسة الإقليمية في الغالب، وتبقى اللحظات الأهم تلك المتبقية في أذهان الناس والتي استخدم صالح فيها الاعلام لتمرير رسالته، عبر دعوته لزعامات عربية لحضور إعلان الوحدة.
صالح في دار الحق اليوم، وأخيراً تخلص من السياسة وما يتعلق بها، وفي حياته لعب مع الجميع، وكان يختار غالباً المواقف الصعبة، والخطرة، بطريقة تذكرنا بالمثل اليمني: الشهير «المُحَنْشْ للحَنَشْ»، بمعنى من يتعاطى مع الثعابين يقع ضحيتها.