في الغالب من لا يحسن الصمت، لا يحسن الحديث ولا الفهم.. المدركون لمواضع الجاذبية والإقناع، وحسن النقاش، هم من يعتنون بتحسين لغتهم الحوارية وتوسيع أفقهم الثقافي.. لا أشد مللا من الاستماع إلى ثرثرة الفارغين فكريا.. هناك من يفجر ثرثرته، ويفرض رأيه في معظم المواضيع العامة والخاصة وهو لا يفقه منها إلا عناوينها.. وهؤلاء متواجدون بيننا، في مجالسنا، في دوائر علاقاتنا الاجتماعية، في مكان العمل، وأخيرا في مواقع التواصل الاجتماعي.. من السهل أن تعتزل قريبا أو صديقا جديدا يشعرك بالسوء أو الضجر عند حديثك معه، لكن ليس من السهل في عالمنا الحالي أن تفعل ذلك مع كل مصدر يشعرك بذلك، فالعالم الافتراضي على سبيل المثال -والذي تتلاقى فيه الأفكار، ويعتبر موضعًا تفهم منه مستجدات الأحداث، وتفاعل الناس- يشعرك بسأم أشد في بعض الأحيان، لكنك لا تستطيع بسهولة بتره من حياتك، فأنت عندما تفعل ذلك تعزل نفسك بطريقة ما عن واقعك أو محيط ثقافتك، وربما تدخل في أمور غير صحية على الصعيد الفكري او حتى النفسي.. من يمتلكون حدا معينا من التفكير الحيادي أو الموضوعي يشعرون بالسوء من حالة التطرف الفكري أو العاطفي أو التناقض والتلوث السلوكي الذي يعانيه محيطهم الثقافي..
لو قسمنا دوائرنا الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي إلى أقسام، حسب طبيعة التفكير والتوجهات ولغة الحوار بأنواعها المختلفة، هل سيصنف الناس أنفسهم حسب طبيعتهم الحقيقية، هل سيلتقي الثرثارون مع بعضهم؟ وهل سيقبل المتمظهرون بالتنافس الشرس مع بعضهم؟ كيف سيكون حال المتناقضين أيضا عندما يتم ضمهم قسريا مع أشباههم؟ وقس على ذلك أصنافا أخرى من البشر.. أعتقد أن أكبر عقاب ممكن أن يواجه أي كائن يمارس الضجر فينا أن تحشره مع شبيهه في عشرة إجبارية.. يحيا السيئون بشكل جيد أحيانا، لأنهم يقابلون في الحياة أشخاصا طيبين وآخرين نبلاء أو حتى جبناء يتحملونهم بشكل أو بآخر.. ليعيد كل منا تصنيف ذاته ويراقب حياديته ولغة حواره ليصنف نفسه بطريقة منصفة ويتدارك أي نقص أو خلل فيه حتى لا ينتهي به المطاف من كونه عالة على الآخرين إلى عالة على نفسه.. صحيح أن المسألة تعتمد على الأخلاق والتربية والذكاء الاجتماعي وأمور قد تكون جينية فطرية ليس من السهل اكتسابها أو التدريب عليها، لكن بالتعلم والتدريب يمكن الوصول، فقط لمن يرغب ويهتم.