أحيانًا يُخالجني شعور بأننا جئنا بالأمس فقط إلى هذه الحياة، بعدما بات كل شيء فيها يُفاجئنا، يدهشنا، يدفعنا للحوار بتشنج للانتصار لآرائنا، وكأننا فعلا بلا أي خبرات، ولا تراكمات ثقافية وحضارية، ولا أي رصيد وعي مسبق بأننا جزء من هذا العالم لنا ما له، وعلينا ما عليه.
عندما تقرأ ما يدور من النقاشات في بعض القضايا الدينية، وبالتحديد على وسائل التواصل الاجتماعي، تكاد تشعر بأن الدين جاء إلينا بالأمس القريب، وليس من خلال ما يزيد على 14 قرنًا، شهد فيها من الحوارات والسجالات ما الله به عليم، وما أفضى بالنتيجة إلى كل هذه الفرق والمذاهب والطرق والمعتقدات والتفسيرات والتأويلات.
وعندما تقرأ ما يتم نقاشه حول قضايا العادات والتقاليد ومتغيرات العصر، تكاد تشعر بأننا أمام مأزق سيعصف بنا بحيث لا يبقي لنا أي أثر، وكأن الأمر يتصل برزيّة مفزعة، حيث يتآمر علينا العالم، وليس مجرد عملية مواءمة بين ثقافتنا وما يشهده العصر من متغيرات، تماما مثلما حدث ويحدث منذ خلق الله الأرض وإلى أن يرثها ومَنْ عليها.
أما أعظم تجلياتنا فتبدو عندما يصل الأمر إلى التصنيفات الفكرية والثقافية، حيث بات من الواضح أننا نسرف كثيرا في تصنيف بعضنا، إذ لم يعد من اللائق ألا نكون جاهزين لتصنيف هذا أو ذاك، تكفي تغريدة واحدة مضمرة المعنى لتصنيف صاحبها حتى إن البعض لا يتردد في التصنيف على حساب النوايا، بذريعة: (لا.. هو يقصد كذا)!.
إلى أين سنذهب؟، وما الذي دفعنا ولا يزال يدفعنا إلى كل هذه الحدة في معالجة الأمور؟.
بالتأكيد هو سؤال عويص، وقد يحتاج إلى دراسات وبحوث عميقة للإمساك بإجابته بدقة، لكنني سأعتقد أن فشل وسائل الإعلام التقليدية في مرحلة ما قبل بزوغ السوشيال ميديا في استيعاب الآراء المختلفة، وإقصائها، ثم انبجاس الإعلام الجديد وإتاحته للجميع بلا أي قيود بحيث أصبح كل مغرد هو بالنتيجة قائد رأي ورئيس تحرير ومخرج بنفس اللحظة، مما أفضى إلى هذه الحالة من الاشتباك، وغالبا بدافع الاقتصاص من مرحلة الإقصاء والتهميش السابقة، وإثبات الوجود، ما أفقدنا لغة الحوار التي نتمناها.