DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
eid moubarak
eid moubarak
eid moubarak

الصفحات الثقافية.. اللعب في الفراغ

الصفحات الثقافية.. اللعب في الفراغ

الصفحات الثقافية.. اللعب في الفراغ
للتعرف على أي مشهد ثقافي أكثر من مدخل، حيث يمكن التماس بشكل مباشر أو غير مباشر مع أسمائه الفاعلة، أو الاطلاع على منتجاته الأدبية والمعرفية والفنية، أو الإطلالة على قضاياه الملحة، أو رصد أخباره، وكل ذلك لا يتم إلا عبر الصفحات الثقافية التي تعمل كمرآة عاكسة لما يحدث من حراك ثقافي. بمعنى أن المحرر الثقافي يقع عليه عبء تقديم تلك الصورة البانورامية لمجمل النشاط الثقافي بجدية ومهنية ووعي، ودون أي تحيز أو إغفال لأي اسم أو صوت أو إسهام أو قضية، وهو الأمر الذي يطرح السؤال بقوة عما تؤديه الصفحات والملاحق الثقافية في مشهدنا الثقافي، وإن كانت بالفعل تمثل حقيقة الحراك الثقافي، وتثير من القضايا ما يتناسب مع روح اللحظة وإمكانات المثقفين واشتغالاتهم. والجواب (لا) كبيرة، فهي عاجزة عن مواكبة الأحداث الثقافية، وعاجزة عن الالمام بمنجزات واشتغالات المثقفين، ومقصرة في رصد أخبارهم، ومرتبكة إزاء المتغيرات الثقافية، وشبه مشلولة في تبني قضايا حيوية يتحلق حولها المثقفون ويختلفون بها وعليها، والأهم أنها تخلو من مقالات الرأي الثقافي، التي تعبر عن رؤية الصفحة واستراتيجيتها. بمعنى أنها في الغالب مجرد مكب لأخبار عشوائية ومطالعات عابرة وتعليقات ساذجة ومحاور مكررة ومستهلكة وتحقيقات سطحية بائتة وموضوعات إثارة هامشية، حيث يبدو المحرر الثقافي كأنه في حالة لهاث وراء مشتبهات ثقافية في الهوامش، مع الاحتفاظ بهامش ضئيل لفصيل من الجادين. الصفحات الثقافية تبدو متنازلة عن الذهاب إلى قلب الحدث الثقافي ونقل تفاصيله إلى القارئ، كما أنها غير معنية بتقديم قراءات محايثة للإصدارات الأدبية، كذلك لا يبدو أنها مهمومة بالاطلاع على ما يجري ثقافيا في هذا العالم المتسع المتسارع سواء من خلال الأخبار أو الترجمات، فهي لا تتكفل بترجمة الوقائع الثقافية الملحة ولا تتابعها، حتى عندما تجري حوارات مع المثقفين لا تحاورهم في عمق منتجهم، بل تلاطفهم بأسئلة عمومية لا طائل ثقافيا من ورائها ولا قيمة إبداعية فيها، لأن الصحفي الذي يجري الحوار لا طاقة له ولا خبرة ولا دراية بمنجز الضيف المثقف، وعليه يرتجل متوالية من الأسئلة العمومية الخالية من الهاجس الثقافي. الصحافة الثقافية تتودد المثقف أو ربما تخاف منه، وبالتالي فهي لا تستطيع أن تضع أي مثقف في مواجهة استحقاقات اللحظة الثقافية، لانها تجهلها أصلا، ولا تعرف طريقها إليها، وهذا هو ما يفسر استمراء عدد من المستثقفين بالظهور اليومي على صدر الصفحات الثقافية. فهناك منطقة فراغ لا يملؤها إلا أولئك الذي يمتلكون الاستعداد لإبداء الرأي في كل القضايا دون دراية ولا خبرة ولا مسؤولية. أولئك الذين صارت لهم الصفحات الثقافية بمثابة مرآة نرسيس، حيث يطالعون فيها صورهم المضخمة الجذابة، ولا يملون من الظهور اليومي فيها. يبرر القائمون على الصفحات الثقافية ضعف المحتويين المعرفي والفني في صفحاتهم بعدم وجود كادر مهني مؤهل، وأن الصحيفة نفسها لا تعير أي اهتمام للشأن الثقافي. كما أنهم في حالة لهاث يومي وراء أحداث ثقافية متشعبة وكثيرة ومتحركة، وأنهم يعانون عدم استجابة معظم المثقفين معهم لتجويد العمل الثقافي، وضعف الميزانية المرصودة للشأن الثقافي، وهي مبررات منطقية ومقبولة للتغاضي عن بعض العثرات في الأداء الصحفي، إلا أنها تبريرات تبدو على درجة من الهشاشة واللاواقعية عند تحليل ما يطرح على الصفحات من ارتجال وأخطاء وإهمال، حيث يمكن التسامح مع بعض التقصير المحتم بالنظرة التهميشية للثقافة، ولكن لا يمكن التسامح مع استمراء التفاهة وإعادة إنتاجها كعناوين للحقيقة الثقافية. ما يُنشر لمراسلي الصحف وصفحاتها الثقافية يثير السخرية والغضب، إذ لا جديد ولا مثير ولا ثقافة في تلك الأخبار والموضوعات القادمة من عواصم العالم. مجرد أخبار بائتة لا تليق باللحظة الالكترونية الخاطفة، ولو تم إخضاع الملاحق والصفحات الثقافية لتحليل خطاب أدبي فستكون النتيجة صادمة حتى على مستوى عرض المادة وإخراج الصفحة من الوجهة الفنية وتوظيف الرؤية البصرية، لذلك لا يجد المثقف الحقيقي مكانه ولا مراده في تلك المنابر المأهولة باللاشيء، وهو خلل يتحمله في المقام الأول مدير تحرير الشؤون الثقافية فهو المسؤول عن الصفحة الثقافية، وراسم استراتيجيتها. كما يتحمل رداءة المحتوى الطاقم التحريري الذي مازال ينظر بخفة ولا مبالاة لما يمثله كمحرر ثقافي، لأن الصحافة الثقافية ليست وظيفة لمن لا وظيفة له. في ظل ذلك التردي يمكن استثناء مجموعة من الأسماء الفاعلة، الواعية بمعنى التحرير الثقافي، وهناك اجتهادات لافتة على قلتها، لكنها لا تلبي الحاجة الثقافية ولو في حدها الأدنى، حيث يمكن ملاحظة وجود بعض العاملين في الصحافة الثقافية لعقود دون أي مجهود أو انجاز يذكر، الأمر الذي يسد الطريق أمام الجيل الجديد من الصحفيين الذين يجيدون التحدث باللغة الانجليزية ولديهم من التماس مع العالم ما يكفي لتوسيع الرؤية الثقافية. كما يمتلكون من الجرأة والثقة وشبكات التواصل مع مثقفي العالم ما يؤهلهم لتغيير النمطية المكرسة في التعامل مع تقاليد الصفحات الثقافية. بمعنى أن هؤلاء هم طاقة يمكن استثمارها وتوجيهها، بشرط وجود مدير تحرير يعي معنى الثقافة، ويعرف آخر طرازات التفكير لأثر ومغزى الصفحة الثقافية.