قبل سنوات كنت على متن سفينة عملاقة في البحر المتوسط تتنقل بين ثلاثة بلدان تنافس دائماً على صدارة دول العالم في مجال السياحة هي أسبانيا وفرنسا وإيطاليا.
عند الظهيرة كانت تجمعنا طاولة غداء مقسمة بطريقة مسبقة، فكان على طاولتنا 12 من السياح من كندا واليونان وإيرلندا وإسبانيا والفلبين، وبينما كانت الأحاديث تدور حول تجربة (الكروز) طرح أحدهم سؤالاً عن أجمل مدينة زاروها، وتلك التي يتمنون زيارتها.
قبل أن يجيب أي من الجالسين على طاولتنا التي تتوسط قاعة الطاعم الضخمة في سفينة تعد ثاني أكبر سفينة في العالم تملكها شركة أمريكية عملاقة، بدا لي السؤال شيقاً للتعرف على خيارات جديدة حول العالم ومعالم وثقافة قد يتاح لي القراءة عنها إن لم أزرها، وتفهم كيف أصبحت هدفا للسياح من مختلف أنحاء العالم.
وقبل أن أذهب بعيدا كان نصف الجالسين ردد اسم دبي بينما أكد الباقون بأنهم يخططون أو يحلمون بزيارتها، انتهى الغداء وتوجهنا لزيارة (منتوكارلو)، استعدت حديث الجالسين وأنا أشاهد الجبال الخضراء للدول الأوروبية الثلاث تحيط بشاطئها بينما الأجواء المناخية الجميلة والخدمات الراقية ترعى الضيوف.
كيف تحولت مدينة دبي الواقعة شرق صحاري الربع الخالي بكل مؤثرات الطقس (الحرارة والرطوبة) والموقع الجغرافي الذي لم يكن في خارطة السياحة العالمية إلى مدينة الأحلام لشعوب العالم، بعد أن كانت في التسعينات مدينة صغيرة فقيرة الموارد لا يكاد أحد من غير العرب يعرف عنها شيئا؟
وبينما كانت ثقافة السياحة والخدمات شبه محتكرة لسنوات طويلة في وجهات محدودة حول العالم تملك مقومات خاصة، بينما لم تكن حتى الدول العربية المجاورة والتي تمتلك مقومات سياحية تقدم حقيقةً سياحة حقيقية بمفهومها الحديث.
دبي قدمت تجربة عملية في نجاعة تحليل الموقف ووضوح الرؤية والأهداف ثم العزيمة وبلا شك قبول المجتمع للتغيير، أما نقل التقنية وتأهيل الكوادر لتحقيق الأهداف (الواقعية)، فهي مهمة لم تعد بالصعبة في عالم أصبح أصغر بكثير من مفهوم القرية الصغيرة الذي بشّرت به تكنولوجيا الاتصال.
في الآونة الأخيرة أصبحت دبي أكثر من كرة جليد تتحرك بصورة كبيرة وتتضخم تطلعاتها وأهدافها بصورة مدهشة، ولم يعد من السهل تمييز المدينة لمن يغيب عنها أكثر من خمسة أعوام، متفوقةً على التجارب السياحية التي سبقتها في الشرق مثل سنغفورا وهونجكونج والتي استفادت مباشرة من الاستثمارات البريطانية سابقاً.
هذه الحكاية لم تنته هنا، لكنها قدمت درساً لكل من ينظر إلى السياحة من منظور ضيق باعتبارها فندقاً أو مقهىً أو فلكلوراً شعبياً، مع أهمية ذلك إلا أن تشكيل توجه حقيقي لتطوير السياحة في دبي بصورة احترافية أوصلها لتحقيق نتائج ليس أقلها الاستثمار في سمعة البلاد عالمياً، وتسويقها بفاعلية رغم التشوه الإعلامي العالمي الذي يكتنف كل شيء عربي هذه الأيام.
الإمارات ككل استفادت من تجربة دبي لتقدم الإمارات تجارب كبيرة في عدة مجالات، كما أن قطاع السياحة ساهم بصورة ضخمة في تطوير البنى التحتية وقطاعات النقل والطيران والتخطيط العمراني والإسكان والأسواق، وأصبحت دبي مركزاً إقليمياً للتجارة في الشرق الأوسط بالإضافة إلى طرحها عدداً كبيراً من الوظائف التي لا تجد من يشغلها من الإماراتيين.
وفي هذه الأيام تحضن هذه المدينة الطموحة القمة العالمية للحكومات للمرة الرابعة بحضور 3000 مسؤول من 125 دولة حول العالم لمناقشة مستقبل الحكومات وتطوير المبادرات الحكومية، بينما أعلنت الإمارات عن تشكيل حكومي يشمل وزيراً للسعادة.
هذه القصة السعيدة والمحفزة في دبي انتقلت عدواها شيئاً فشيئاً عبر الخليج إلى الدوحة التي تستثمر بقوة في تطوير المدينة وتسويقها عالمياً، بالإضافة إلى استثماراتها في مجالات الإعلام وغيرها، لكن السؤال الذي يدور في ذهني متى تصلنا هذه العدوى؟.