الأجمل في أعيادنا أن نبتسم لحاضرنا، ونتفاءل لمستقبلنا، ولا ننسى ماضينا، وفاء وعرفانا لمن فرحنا معهم وغادروا دنيانا، بعد أن كان العيد لا يحلو إلا بهم وابتسامتهم وطلتهم.
الأجمل أن نواصل الحياة بروح مرحة رغم فقدهم، ولكن الأكمل أن لا ننساهم من الدعاء، لأننا سنرحل يوما ونلحق بهم، وعندها سننتظر دعوة من أهل الدنيا، كما ينتظرها أحبابنا ممن توسدوا الثرى.
في عيد الفطر كان لنا أصدقاء وأهل وأقرباء نضحك معهم ونبادلهم الفرح، وفي هذا العيد غابوا عنا وذهبوا لبارئهم، ومعايدة الأحياء يجب أن لا تنسينا الدعاء للأموات.
هي ليست دعوة لفرش الحزن في دروب أعيادنا، بل هي وردة في طريق الوفاء لمن أحببناهم وغادروا دنيانا.
جميل أكثر أن نسامح من ظلمنا ونحن نملك وسائل الانتقام.. فالعفو يدخل البهجة والسكينة داخل نفوسنا ويفتح لنا آفاقا جديدة في الحياة.. صحيح أن الانتقام يشفي دوافعنا المكبوتة.. ويجعلنا نشعر بالانتصار، لكنه انتصار وقتي، ولذة محكومة بعامل الزمن سرعان ما نندم بعدها ونتحسر لأننا خالفنا طبيعة النفس البشرية.
جميل أن نغادر جزيرة الانهيارات ومحيط الآلام، ونسكن في مناخات تثير داخل ذواتنا المزهريات الجميلة، وترمي بنا في مدارات جديدة تعيد لنا فرحة السعادة في عالم الطفولة والبراءة.
جميل في ايام العيد أن نكسر حواجز أحلام اليقظة ونخرج من دائرة الوهم لأحلام أكثر واقعية تدفعنا للأمام في تيار الحياة، والأجمل أن نحلم ونحلم ونحلم ولكن بواقعية تفتح لنا دروب المجهول في عالم مجنون لا يعترف إلا بمنطق القوة، والقوة في هذا الزمن انتهاز الفرص المتناثرة هنا وهناك.
الاكثر جمالا في عيد الأضحى المبارك أن يتخلص أهل الرياضة من القيود التي تعيق حركتهم.. وكم من البشر يتمتعون بالحرية لكنهم في واقع الأمر يعيشون في زنزانات الوهم والغفلة.. ولا يكتشف البشر أنهم محاطون بأسوار الزنزانات إلا عندما يكتشفون أن الحدائق الغناء التي رسموها في مخيلتهم ما هي إلا مستنقعات عاشوا معها طيلة سنوات الوهم والغفلة.
الجميل أن نعلن الرفض في المكوث على عتبة الماضي، ونعلن التسلق لعتبة أكثر قوة ومتانة، والأجمل أن نصل لقمة سفح الجبل، ولكن بحذر كبير ونحن نصعد لان الصعود السريع يؤدي غالبا إلى السقوط السريع أيضا.
جميل أن نودع الاستغراق في التشاؤم ونبدأ السير في شواطئ التفاؤل.. فالفشل في محطة ما قد يكون بداية النجاح في محطة أخرى، فليس من المعقول أن نتوهم أن السماء لا تحمل غير الغيوم والضباب وهي تبزغ بالنجوم والقمر.
جميل أن نوقف قطار السفر المدلج بالغبار وزوابع التجوال، وأن يرسو قاربنا في ميناء لا يحمل ضجيجا، ولا يسأل العشاق عن مدة المكوث.
وجميل أن نبعثر الذكريات التي لا نريد الاحتفاظ بها في مخزون الذاكرة ونرسل عبر الأجهزة العصبية للدماغ بطاقات مطرزة بأجمل مراحل حياتنا لتقفز أمام أعيننا كلما استرجعنا شريط الذكريات.
جميل جدا أن ندفن حبنا القديم في مقبرة النسيان.. جميل جدا أن ننسى العناوين القديمة، وان نمحو الأسئلة المطعونة التي لا تحمل إجابات متفائلة.. والأجمل أن نبحث عن عناوين لم نطرق أبوابها حتى الآن.