إيران دولة عرقية دينية قبلية ممزقة، تمامًا كما هي الحال في العراق وسوريا، وربما تكون أكثر منهما. وليس لديها أي جماعة كبيرة من الأغلبية العرقية، وقد أصبح الفرس أقلية بالفعل بسبب معدل المواليد السلبي، على الرغم من كونهم أكبر أقلية من بين جميع الأقليات الأخرى بنسبة 24%. والباقي من الأذريين، والبلوش (سنة)، والطاجيكيين (سنة)، واللور، والتركمان (سنة)، والأكراد (معظمهم من السنة)، والعرب (سنة)، وغيرهم.
وبعض هذه الأقليات, بحسب «التقرير», تريد الانفصال عن إيران وضم أراضيها إلى دول أخرى. حيث يرغب الأذريون في الانضمام إلى أذربيجان، ويرغب البلوش في الانضمام إلى باكستان، والأكراد يريدون تأسيس «كردستان الكبرى» والتي سوف تشتمل على أجزاء من العراق وتركيا وسوريا وإيران، والعرب يرغبون في إقامة دولتهم المستقلة والتي سوف يتم تسميتها الأحواز باللغة العربية أو خوزستان باللغة الفارسية.
وبعبارة أخرى، فإن التمزق والحرب العرقية بين السنة والشيعة والحرب بين الأقليات العرقية المختلفة ليست سوى مسألة وقت في إيران. الأرض تشتعل بالفعل، وهناك صراعات مستمرة بين البلوش وعرب الأحواز وبين النظام الذي يقمعهم بقبضة من حديد.
والشيء الوحيد الذي لا يزال يجمع شمل هذا البلد الكبير المفكك هو الخوف من الخواء الذي قد ينشأ بدلًا من نظام مكروه. فهم خائفون من أن يصبحوا مثل سوريا، ولكن عندما تُشعل الدوافع الدينية والعرقية الغضب، فإنه لا يمكن أن يتوقف بعد ذلك. وهذا هو السبب الذي يجعل من المهم بالنسبة لإيران تحويل الانتباه تجاه إسرائيل؛ من أجل إخفاء هذا العداء الداخلي المدمر.
ولك أن تتخيل إيران وهي تتمزق مثل سوريا والعراق وليبيا أو اليمن في حرب أهلية بها ميليشيات مسلحة وتسهيلات نووية في جميع أنحاء البلد، فأي خطر من الدمار الشامل سوف يكون هذا.
وليس من الضروري أن تكون هناك قنابل نووية جاهزة، فيمكن للمرء مع وجود مواد مشعة أن يعد «قنبلة نووية قذرة» أو غيرها من وسائل الرعب.
وتفترض الإدارة الأمريكية بسذاجة أن النظام الإيراني سوف يستمر في حكم المنطقة، ولكن أنظمة بشار الأسد أو معمر القذافي كانت أنظمة قوية كذلك، وكذلك كانت الأنظمة في مصر واليمن. وإضافة إلى ذلك، إيران هي نوع من أنواع دول الملتقى التي تحتوي على سكان يمثلون جميع دول المنطقة -من أفغانستان إلى باكستان ومن الخليج إلى تركيا- وإذا ما انهارت إيران، فإن «القوى الإرهابية الظلامية» سوف تخترقها وتتسلل إليها.
والفرس في الواقع قوة ضعيفة نسبيًا بين القوى الإقليمية، وسوف يشعلون فتيل المنافسة حول من سيمتلك التسهيلات النووية بشكل أسرع ومن سوف يستخدمها أيضًا؛ لأن أي قوات مثل تنظيم داعش ليس لديها مسؤولية أو حدود.
الاتفاق النووي
لذلك، كيف سيساعد الاتفاق النووي للرئيس الأمريكي باراك أوباما بالضبط في هذا الوضع؟ هذا أمر غير مجدِ يشبه ضرب حصان ميت. ولكن يبقى سؤال واحد فقط: من هو الحصان الميت؟ ولا يستطيع أحد الآن أن يقول إنه لا يعرف.
خلاف التيارين
ويضيف «محمد المتوكل» في التقرير في جدال حاد بين الرئيس الإيراني حسن روحاني، ممثلًا للتيار الإصلاحي من جهة، وآية الله أحمد جنتي رئيس مجلس حراس الدستور «تيار اليمين المحافظ» من ناحية أخرى، يبدو أن معركة انتخابات البرلمان ومجلس النخب في إيران، التي ستجرى في شهر فبراير العام المقبل بدأت مبكرًا.
فقد ظهر جليًا التباين الكبير في خطابات الطرفين، والهجوم العنيف المتبادل، خلال مؤتمر رؤساء مراكز محافظات إيران، الذي يضم 425 عضوًا بمقر وزارة الداخلية في طهران، ونشر في جريدة «انتخاب» الرسمية.
واكد الرئيس روحاني في خطابه على ثلاث نقاط مهمة، ظلت محل جدال وخلاف شديد بين التيارين خلال الدورات الانتخابية السابقة، وتتمحور حول آلية تأييد صلاحية المرشحين، ونزاهة الانتخابات، وعدم تدخل مؤسسات السيادية والعسكرية والدينية خارج إطار الحكومة، التي تتبع الولي الفقيه في عملية الانتخابات.
الرقابة الاستصوابية»
وحول النقطة الأولى قال «روحاني» إنه ليس من حق أي جهة -قاصدًا مجلس حراس الدستور كمسؤول عن تعيين صلاحية المرشحين- أن ترفض صلاحية أي شخص للترشح بلا ضوابط ومعايير شرعية باتهامات جزافية لم تثبت الإدانة فيها من قبل أي محكمة.
والأمر كان يحدث في الدورات الانتخابية السابقة، وقد رفض مجلس حراس الدستور بحكم «الرقابة الاستصوابية»، الذي أعطى الفقهاء الستة من المجلس الذين يتم تعيينهم من قبل الولي الفقيه، لأنفسهم صلاحيات واسعة، على حساب كبار السياسيين من الإصلاحيين وغيرهم في كل من انتخابات البرلمان ومجلس النخب والرئاسة، حتى رفضوا صلاحية هاشمي رفسنجاني المعروف بعمود خيمة النظام.
وقد أراد الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي تغييره إلى «الرقابة الاستطلاعية»، حيث قدم مشروعًا بقانون للبرلمان لتعديل قانون الانتخابات، ليجعل مجلس حراس الدستور يؤيد أو يرفض صلاحية مرشحين، طبقًا لتقارير رسمية من قبل أربع مؤسسات؛ هي: القضاء، والاستخبارات، والداخلية، والشرطة.
وقد حصل خاتمي على موافقة البرلمان على مشروع القانون، ولكن رفضه مجلس حراس الدستور ولم يتم تمريره.
والنقطة الثانية التي أشار إليها روحاني، هي ممارسات غير قانونية لبعض المؤسسات، من شراء أصوات الناخبين، وممارسة ضغوط على بعض الموظفين للحصول على تصويت جماعي، حتى يقال إن بعض نواب البرلمان الحالي، حصلوا على تمويل لحملاتهم الانتخابية بأموال تجار المخدرات، مما يعيد للأذهان ما حدث بعد الإعلان عن فوز أحمدي نجاد بفترة رئاسة ثانية عام 2009، حيث شكك قطاع من الإيرانيين في نزاهة الانتخابات وخرجوا في تظاهرات استمرت ما يقرب العام، تم بعدها اعتقال منافسه موسوي الذي يعتقد الملايين من الشعب الإيراني، أنه الفائز الحقيقي، وهو لم يُعط الفرصة لإثبات مدعاه.
وفي النقطة الثالثة، فقد حذر الرئيس روحاني من بعض المؤسسات التابعة لرأس النظام، مثل الحرس الثوري، وأئمة الجمعة في أرجاء إيران كافة، ومؤسسة الراديو والتليفزيون القومية، والجيش، من التدخل في الانتخابات ماليًا أو دعائيًا، أو حتى باستخدام الترهيب على نحو ما، لمصلحة حزب أو تيار، كما كان يحدث دائمًا لكن لمصلحة تيار بعينه وهو التيار المتشدد.
وأهمية انتخابات مجلس الشورى بالنسبة لروحاني، ترجع إلى أنه للإيفاء بوعوده الانتخابية يحتاج لمساعدة البرلمان، أما البرلمان الحالي بأغلبيته المحافظة، فيمثل عقبة أمام الحكومة في سبيل تحقيق ذلك، كما حدث في قضايا مختلفة، مثل إيجاد مشاكل في مسيرة المفاوضات مع الغرب، بشأن الملف النووي أو عدم الموافقة على تعيين بعض من أفضل مرشحيه للوزارات، وعدم تمرير مشروعاته الاقتصادية والثقافية وغيرها.
ولم يمض وقت طويل بعد خطاب روحاني، حيث حضر للمؤتمر بعده بساعة واحدة أحمد جنتي الذي يرأس مجلس حراس الدستور منذ 30 سنة، والمعروف بكونه رأس المتشددين في تيار المحافظين، وقال في خطابه إنه ليس من حق أحد أن يطعن في عمل مؤسسات النظام، التي تشرف على عملية الانتخابات، أو أن يصرح بأنه يجب أن نعيد تركيب نسبة أعضاء البرلمان لمصلحتنا، أو أن يتحدث حول آلية تعيين صلاحية المرشحين.
جنتي يهدد روحاني
ويذكر أن قضية أحداث ما بعد انتخابات عام 2009 المعروفة بـ «الصحوة الخضراء»، والتي سماها خامنئي بـ «الفتنة»، وجه جنتي اتهامًا ضمنيًا لروحاني بأنه بمثل هذا الكلام، ويرفع شعارات قادة «الصحوة الخضراء»، ويخطو نحوهم.
ووصل جنتي إلى أبعد من ذلك، حيث وجه تهديدًا غير مباشر إلى الرئيس روحاني؛ حيث أشار ألا يغترّ أحد بمنصبه، وقد يكون شخص ما اليوم في قصر، وغدا في السجن وضرب مثلًا بالرئيس المصري محمد مرسي، وحذر روحاني بأنه إذا استمر بهذا الأسلوب فسوف يلقى مصير الرئيس المصري السابق محمد مرسي.