استهل أمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي خطبته بصلاة الجمعة في الحرم المكي بحمد الله والثناء عليه , والصلاة على أشرف الأنبياء والرسل وعلى أصحابه أفضل السلام وأتم التسليم .
وقال فضيلته لجموع المصلين استحيُوا الله حقَّ الحياءِ ، واعلمُوا أنه رقيبٌ عليكم أينَما كنتُم ، يسمَعُ سبحانه ويرى، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )), حيث كانت الدعوة إلى مكارم الأخلاق ، من أهم مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام أحمد ، قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ )) .
وأضاف إمام وخطيب الجمعة الشيخ المعيقلي أن الحياء هو خلق الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من الصحابة والتابعين ، فهذا موسى عليه السلام قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ )) رواه البخاري ، وأما نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقد تسنَّم صُوَرَ الحياء في أعلى قاماتها، فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا ، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِه .
وأستدل فضيلته بالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ، حيث كانوا يعززون في نفوس أبنائهم خلق الحياء، فيربونهم عليه ، كما رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، كان غلاما في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟» فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» . رواه البخاري ومسلم.
وبين فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي أنه كما يستحيي المسلم من الخَلْقْ ، فإن عليه أن يستحيي من الخالق سبحانه ، فلا يتأخر في طاعته، ولا ينسى شكر نعمه، ولا يراه حيث نهاه ، أو يفتقده حيث أمره ، فالله جل جلاله وتقدست أسماؤه ، أحق أن يستحيي منه، وبذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه ، ففي معجم الطبراني : (( أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْصِنِي ، قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّـهِ ، كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِحاً مِنْ قَوْمِكَ .
وقال المعيقلي معاشر المسلمين: إن الحياء دليل على رجاحة العقل، وأدب في التعامل مع الخلق، وطريق خير وصلاح، وسعادة وفلاح ، في الدنيا والآخرة،الحياء شعار المتقين ، ودثار الصالحين ، وجلباب ستر الله على عباده المؤمنين، وإذا أصر العبد على الذنوب والمعاصي ، ولم يسلك طريق التوبة ، نزع منه الحياء ، ومن نزع حياؤه حل هلاكه، فتمادى في تحصيل شهواته ، وظهرت مساوئه، ودفنت محاسنه، وكان عند الناس مهاناً، وعند الله ممقوتاً.
ووفي ختام خطبته أوضح فضيلته أنه حينما يسودُ الحياء في المجتمع المسلم، فإنَّه يرتفع بأخلاقهم، ويسمو بآدابهم، ويشيع الخصال الكريمة، والفضائل الحميدة، ولا يأتي عليهم إلا بخير ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ)) و «(( الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ )). رواه مسلم.
