منذ سبعة وثمانين عاما قام وطن.. نهض في عمق الصحراء الجرداء من كل شيء إلا خيرات قليلة لم تكن تكفي أهلها الذين هاجر بعضهم إلى ديار بعيدة وارتحل بعضهم إلى ديار أخرى في رحلات متتابعة ذهابا وإيابا من أجل لقمة العيش، ولكن الله لم يرد لهم ذلك العناء ولم يكتب عليهم استمرار الشقاء على تلك الرمال التي تتلظى تحت أقدامهم في الهجير وترتعد فرائصهم فوقها في الشتاء تحت بيوت الشعر أو الطين فتفضل عليهم بما هو في باطن أرضهم ذهبا أسود قامت به وعليه الحياة في بلادنا بصورة مختلفة نعيشها اليوم بيسر وسهولة وعزم وتصميم على مواصلة مسيرة البناء التي نعرف جميعا ويعرف كل فرد من أبناء الوطن دوره فيها في أي موقع كان، ولكنني اليوم لن أتحدث عن كل ذلك، فالاحتفال بيوم الوطن تحتشد فيه مشاعر مختلفة تتجاذب العقول والقلوب بين فخر واعتزاز بما مضى وتفاؤل وابتهاج بما هو آت، فقد عشت يوم أمس تجربة شعورية مختلفة بحكم وجودي في دولة الإمارات العربية المتحدة مؤقتا حيث انطلقت منها مبادرة (معاً أبداً) كوسم في تويتر ثم احتفت الإمارات بهذه المبادرة بطرق شتى كان منها ختم الجوازات في مطاراتها والحفاوة البالغة أثناء استقبال المواطن السعودي، وكانت هذه المبادرة قد بدأت قبل الثالث والعشرين من سبتمبر ببضعة أيام لتسمح لهذه الفكرة بالعبور إلى الإنسان السعودي والاماراتي فتلامس قلبيهما معا وهذا ما حدث بالفعل.. فبالأمس كنت أخطو باتجاه ساحة نافورة دبي الشهيرة وكان صوت المطرب ميحد حمد يزهو فخراً وهو يردد:
سلم وحي حاكم دبي محمد اللي مديم للعلا فنه
وبعده بدقائق تعالت أصوات الأغاني الوطنية السعودية الجميلة يتخللها من وقت لآخر السلام الملكي السعودي، ولا أبالغ إن قلت أن قشعريرة وطنية سرت بين قلبي وعقلي وكامل جسدي لتضرب أوتار الفخر والشعور بالعز والتميز وأنت ترى كل جنسيات الأرض تتابع ذلك باعجاب وهم يرون دولة تحتفل بدولة بطريقة غير مسبوقة لتؤكد أننا فعلاً (معاً أبداً)، وفي هذا الموقف كان من الطبيعي جداً أن تتلبسني روح عبدالعزيز المؤسس كعادتي في كل عام وفي يوم الوطن ولكني هذه المرة وجدت أيضاً ابتسامة زايد تضيء سماء دبي وكأنها أيضا ترحب بنا كما يفعل أبناؤه البررة. عبدالعزيز وزايد هما بركة الله التي حلت على أجزاء واسعة من أرض جزيرة العرب وكان لكل منهما دوره العظيم في التأسيس ولم الشمل والبناء والحب العظيم لتراب الصحراء التي بادلتهما حبا بحب ومنحتهما خيراتها الباطنية ليباهيا بها الأمم فوقها بالعمل الجاد والبناء المثمر في الإنسان والمكان، وكان لكل منهما دوره في نقل ما يملكه من مزايا رجال الصحراء لأبنائه ولاخوانه بالدم وأبنائه واخوانه في عشق الأرض فكان لهما ما كان من حكمة ونظرة ثاقبة ومثابرة مؤثرة ليكونا قادة للخير وبالخير، فلا عجب إذن أن تكون لكل منهما سيرته الحضارية التي تباهي بها العالم ويكفيهما فخراً أن حولا تلك الصحاري الجافة إلى مدن حافلة بكل ما يجب أن تحظى به المدن بدءا من الإنسان الذي يبني وانتهاء بالبناء نفسه في كل المجالات، ويكفيهما فخرا أنهما يباهيان بالحياة لا باقتلاعها، ويكفيهما فخرا أنهما معا وأبدا من أجل الخير والعطاء لهما ولغيرهما.