DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

في الأمن المائي العربي

في الأمن المائي العربي

في الأمن المائي العربي
أخبار متعلقة
 
يرجع كثير من المؤرخين، أهمية هذه المنطقة، والدور الذي لعبته، منذ بداية التاريخ، لوجود وادي النيل، الذي تشكل هضبة البحيرات الاستوائية، وهضبة الحبشة الخزان الطبيعي له. ويمر بدولتين عربيتين هما السودان ومصر، حيث يمنحهما الزرع والحياة. وإلى وجود نهر دجلة، الذي ينبع من مرتفعات جنوب شرق تركيا. ونهر الفرات، الذي ينبع من هضبة الأناضول في تركيا. كما توجد أنهر أخرى، أقل شأنا، كنهري الليطاني والأردن. ويبلغ عدد الأنهر الصغرى، الدائمة الجريان بالوطن العربي، أربعين نهرا، فضلا عن الآلاف من الأودية الموسمية، التي تجري فيها المياه لفترات محدودة في السنة. وفي العصر الحديث، تصاعدت أهمية الثروة المائية، وتصاعد الصراع بين الدول المجاورة؛ من أجل السيطرة عليها. ويكفي أن نشير هنا إلى أن حرب السويس عام 1956م، كانت في الأساس ردا على قيام مصر بتأميم قناة السويس، الممر المائي الدولي، والذي كان في ذاته محاولة مصرية لتأمين عملة صعبة لبناء سد أسوان لتخزين المياه وتجنب فيضان نهر النيل. كما كان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، كيانا مستقلا يمثل الفلسطينيين، ردا عربيا على محاولات الكيان الصهيوني في بداية الستينيات من القرن المنصرم، تحويل مياه نهر الأردن. ويتمحور الصراع الآن بين تركيا من جهة، وسوريا والعراق من جهة أخرى، حول محاولة الاتراك بناء سدود مائية كبرى، كسد أتاتورك، والاستيلاء على الثروة المائية العربية بتحويل مياه نهري دجلة والفرات لتلك السدود. ومنذ بداية القرن الماضي، شهدت العلاقات العراقية الإيرانية، صراعات ومنازعات، تمركزت حول أحقية الملكية والمرور الحر في شط العرب، كان آخرها حرب الخليج الأولى، التي استغرقت ثماني سنوات، ذهب ضحيتها أكثر من مليون شخص بين قتيل وجريح. وفي مؤتمر مدريد للسلام بالشرق الاوسط، الذي عقد في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان للماء نصيب وافر في المفاوضات المضنية بين العرب وإسرائيل؛ من أجل التوصل لتسوية سلمية للصراع بين العرب والصهاينة. الماء ثروة الحياة، ويحتل جزءا واسعا من كوكبنا الأرضي، حيث يغطي ثلاثة أرباع سطح الأرض. وتقدر كمياته بـ ١٢٧٠ مليون كيلو متر مكعب. وتوضح المصادر العلمية المتوفرة، أن ما يزيد على ٩٧.٢٪ من هذه الثروة، هي مياه مالحة. بمعنى أن المياه العذبة، لا تتجاوز نسبتها، ٢.٨٪، وأن ٧٧٪ من المياه منها، مياه جوفية. وتقع نسبة كبيرة من المياه الجوفية على أعماق تزيد على ٨٠٠ متر، مما يجعل من الصعوبة، ضمن القدرات الحالية استغلالها. أما الجزء المتبقي من المياه العذبة، فيوجد في البحيرات والأنهار وأجسام الكائنات الحية، والرطوبة الجوية. وتتجدد إمدادات المياه العذبة بفعل دورة المياه في الطبيعة، بحيث يقدر جريان المياه في القارات بنحو ٣٨٣٦٠ كيلو مترا مكعبا سنويا، يعود منها إلى البحار والمحيطات ٢٥٢٦٢ سنويا، على شكل مصاب انهر وتدفقات سيول. ويوجد ما يقدر بـ ٤٦٧٨ كيلو مترا مكعبا، وتكفي هذه النسبة نظريا لعدد من السكان يصل إلى نحو ٢٠ مليار نسمة. في نصف القرن الماضي، ارتفع استهلاك الإنسان من الماء في العالم، بصورة حادة. ويصنف استعمال المياه في العالم إلى ثلاث فئات عريضة، هي الري ويستهلك ٦٩٪ من الموارد المائية العذبة. والصناعة وتستهلك ٢٢٪ منها، واستخدامات المنازل، وتستهلك ٨٪. وتختلف هذه النسبة من دولة إلى أخرى، ففي الدول الصناعية، تستهلك الصناعة ما يقدر بـ ٤٠٪ من المواد المائية العذبة، بينما تستهلك الزراعة النصيب الأوفر في الدول النامية. وقد نتج عن وعي أهمية الثروة المائية في تحقيق التنمية الاقتصادية ولطبيعة الصراع الدائر من اجل السيطرة عليها، ما يمكن أن يطلق عليه بمشكلة الأمن المائي. ومن المؤكد، أن مصدرها هو ما يحمله واقعها في معطياته، الحاضرة والمستقبلية، من تأثيرات مباشرة على الوجود العربي، شعوبا وكيانات. ذلك أن نقص المياه العذبة، يعد من معوقات التنمية المستديمة في الوطن العربي، وأن الاستخدام الأمثل لهذا المورد، هو أحد المفاتيح الرئيسية لتحسين الإنتاج الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي العربي. إن المشكلة في حقيقتها، لا تكمن فقط في شح المياه العذبة في البلدان العربية، بل في سوء استثمار هذا المورد، ونوعية المياه، نتيجة تلوث المياه السطحية والجوفية جراء تصريف مياه المدن، والصرف الزراعي والنفايات الصناعية. ولهذا يقترح أن تكون مشكلة الأمن المائي في مقدمة الأولويات التي يهتم بها الساسة العرب عند صياغتهم لخطط التنمية الاقتصادية، والاجتماعية. والمعضلة الأساسية التي تواجه الأمن المائي العربي، تكمن في أن الجزء الأكبر من المساحة العربية يقع في العروض المدارية الحارة والجافة، مما يعرض الماء للتبخر. ومن جهة أخرى، تواجه البلدان العربية محدودية المخزون المائي، وعدم انتظام توزعه في الزمان والمكان. والأخطر من ذلك بكثير، ان الدول العربية، تتلقى نحو ٦٢٪ من ثروتها المائية من خارج حدودها. وهناك أكثر من ١٦ بلدا عربيا، تفتقر إلى هذه الثروة، ويقع دون خط الفقر المائي العام. وتتأتى الثروة المائية العربية، من المصادر السطحية والجوفية، ومن كميات الأمطار الموسمية، إضافة إلى الينابيع المتفجرة، على الرصيف القارى من مصادر تقليدية وحديثة. وتشكل المناطق الجافة، نسبة كبيرة تتجاوز الـ ٣٠٪ من مساحة اليابسة العربية، وتحمل هذه الحالة، دلالات سلبية تثير الاكتئاب، إذ تشير إلى أن حوالي 70٪ من هذه المساحة، هي بحكم الجافة، مما ينعكس سلبا على نصيب الفرد من الماء. وإذا ما استمر هذا الوضع على حاله، وتفاقمت عملية النهب الخارجي، والاستخدام المسرف، غير المدروس لهذه الثروة، وإذا ما أخذ بعين الاعتبار الزيادة السريعة في عدد السكان، فإن من المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد بنسبة ٥٠٪ مع حلول عام ٢٠٢٥م. وتقدر المياه القادمة من خارج الحدود العربية عن طريق الأنهار بـ٦٠ إلى ٦٧ في المائة، وأهمها أنهار النيل ودجلة والفرات، بما يعني عدم قدرة الأمة العربية على ضمان تأمين تدفق المياه إلى الأراضي العربية في ظل الضعف الراهن. وقد انشئت مشاريع كبرى لتحلية المياه في بعض الأقطار العربية النفطية الغنية. إلا أن تلك المشاريع، تكلف مبالغ هائلة، لا تستطيع الأقطار العربية الفقيرة مجاراتها. إضافة إلى أنها تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة عالية، واختصاصيين مهرة، ومصادر للطاقة، مما يجعل نجاحها، وضمان استمرارها مرتبطا إلى حد كبير بوجود علاقات وثيقة لهذه الأقطار بالدول القادرة على توفير هذه التكنولوجيا. وتواجه مشروعات الثروة المائية العربية مشاكل عدة، منها الهدر الكبير للمياه، خاصة في القطاع الزراعي، والخراب الحاصل للمياه الجوفية وزيادة الأملاح بها، والتبخر الكبير الذي تتعرض له الأنهار الكبرى، وقلة الموارد المائية، وصعوبة تأمين الاحتياجات اللازمة في الوقت والمكان المناسبين. وأخيرا تواجه مشاريع الاستثمار خطر استمرار السياسات الإقليمية في نهب مياه الأنهار، ما يؤدي إلى حدوث خلل مرعب في جريان مياهها. كما تواجه مخاطر السياسة الإسرائيلية المستمرة في الاستيلاء على مياه نهر الأردن، والضفة الغربية، والجولان، ومياه نهر الليطاني. ولا شك أن هذه المشاكل، من المعوقات الحقيقية لتحقيق النهوض الاجتماعي والاقتصادي العربي. ولذلك فإن أية محاولة للخروج من مأزق التخلف الراهن، لا بد أن تأخذ في الاعتبار أن يكون في مقدمة مهامها، التصدي لها ووضع الحلول للتغلب عليها. من جانب آخر، فإن عدد السكان العرب يتزايد بمعدلات كبيرة تقدر بـ ٢.٧٪ سنويا، حيث يقدر تعداد السكان بما يزيد على الـ ٣٠٠ مليون نسمة. ويعد هذا المعدل مرتفعا نسبيا بالمقارنة مع النمو السكاني في العالم، والذي يبلغ ١.٦٪ سنويا الآن. وعلى هذا الأساس، فإن معدل النمو السكاني الحالي كل خمس وعشرين سنة. ومن المتوقع أن يصل إلى ٤٩٣ مليون نسمة في عام ٢٠٢٥م. ومن شأن ذلك إضافة أعباء جديدة صعبة إلى قضايا الأمن المائي العربي، ما لم يتم تدارك الأمر، وتحقيق مزيد من الكفاءة، في إدارة الموارد المائية، ويجري تحسين طرق استغلالها. وفي منتصف التسعينيات من القرن المنصرم، بلغ نصيب الفرد العربي من الماء نحو ١١٥٦ مترا مكعبا في السنة. وهو أقل بكثير من نصيب الفرد على الصعيد العالمي، والذي يصل إلى ١٢٩٠٠ متر مكعب في السنة. وعلى هذا الأساس، فإن نصيب الفرد العربي، أقل من خط الفقر المائي، الذي يقدر بنحو ١٣٥٠ مترا مكعبا في السنة. كما تعاني الثروة المائية من مشكلة التلوث الناتج عن المخرجات السائلة للأنشطة الصناعية، ومياه الصرف الزراعي وما تحتويه من بقايا أسمدة ومبيدات حشرية، ومن مياه الصرف الصحي. ومن المؤسف أن بعض الأقطار العربية، ما زالت تلقي بمخلفاتها الصناعية السائلة في الأنهار، كما هو الحال في سوريا، والعراق، والأردن، ومصر، والمغرب. وهناك أيضا المخاطر الصحية والبيئية المتأتية من الاستخدام غير السليم للأسمدة ومبيدات الآفات. وقد ارتفع الاستخدام العربي من الأسمدة الكيماوية في السنوات الأخيرة بشكل كبير. ومن المعروف أن هذا النوع من الأسمدة يساهم في تلويث المياه السطحية، ولا تستفيد المحاصيل إلا بنسبة ٥٠٪ منها، وتأخذ النسبة الباقية طريقها إلى مياه الصرف والأنهار. أما المبيدات الحشرية، فإن الاستهلاك منها يقدر بمئة ألف طن سنويا. حيث تتلوث الأنظمة الايكولوجية، ومنها الموارد المائية. يضاف إلى هذه المشاكل، مشكلة تلوث المياه الناجم عن مياه الصرف الصحي، اذ يضخ كثير من المدن العربية تلك المياه، داخل الوسط الطبيعي من دون أدنى معالجة مسبقة، باستثناء الحالات النادرة. ونتيجة لهذه الوضعية، فقد وصل التلوث إلى حد غير مقبول، الأمر الذي ينتح عنه أمراض وعلل صحية مباشرة للإنسان. وأخيرا تواجه، مشاريع الاستثمار خطر استمرار السياسات الإقليمية، في نهب الثروة المائية العربية، كما هو الحال مع مياه نهري دجلة والفرات، مما يؤدي إلى حدوث خلل مرعب، في جريان مياههما، على الرغم من وجود معاهدات ومواثيق دولية، تحكم عملية تقاسم مياه الأنهار بين الدول. وهناك المحاولات الإسرائيلية المستمرة، للسيطرة على الثروة المائية العربية، إذ يستغل الكيان الصهيوني، ظروف احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة، فيقوم بتحويل حوالي ٧٠٪ من الثروة المائية في الأراضي المحتلة لاستخداماته واستخدام المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧م. كما استغلت إسرائيل هجومها الواسع على لبنان عام ١٩٧٨م، في عملية عسكرية أطلق عليها عملية الليطاني، واحتلت فيها جزءا من الجنوب والبقاع الغربي، حتى نهر الليطاني. وأطلقت على تلك المنطقة تسمية الحزام الأمني، واستولت على قرابة ٨٠٠ مليون متر مكعب من مياه نهر الليطاني. وتواصل إسرائيل منذ بداية الستينيات سرقاتها لجزء كبير من مياه نهر الأردن. وتقدر الكميات التي تغتصبها من أعالي النهر بـ ٦٦٠ مليون متر مكعب سنويا، تقوم بتخزينها في بحيرة طبرية. ومنذ احتلالها لهضبة الجولان السورية، بدأت إسرائيل في سرقة ما يقدر بـ ٥٠- ٦٠ مليون متر مكعب من المياه سنويا، من هذه الهضبة. وتحاول إسرائيل استثمار نتائج اتفاقيات كامب ديفيد، للاستفادة من مياه نهر النيل، عبر اقتراح توسيع ترعة الإسماعيلية، وإيصالها إلى سيناء، ومنها إلى قطاع غزة وإسرائيل. كما تحاول الاستفادة من المشروع التركي، المسمى بأنابيب السلام، للتزود من مياه نهر الفرات. وتحاول أيضا، عبر التعاون الوثيق مع أثيوبيا إنشاء مجموعة من السدود، على نهر النيل الأزرق، لري ٤٠٠ ألف هكتار، وإنتاج ٣٨ مليار كيلوواط من الطاقة الكهرومائية، الأمر الذي سيؤدي بنتائجه إلى حرمان مصر، من مستحقاتها في خمسة مليارات متر مكعب من المياه، دون النظر إلى ما في ذلك من خروقات للاتفاقيات التي حددت اقتسام مياه نهر النيل، بين دول حوض النيل. وتعكس جميع هذه المعطيات حالة الضعف في الوضع العربي الراهن. كما تشير إلى أن الأمن المائي العربي٬ الآن في وضع لا يحسد عليه، مما يلقي بأعباء إضافية على المعنيين بهذا الشأن من المسؤولين العرب. ولعل الخطوة الأولى، في هذا السبيل هي وعي واقع الثروة المائية العربية، من حيث مخزونها وتنوع مصادرها، وطرق استثمارها، وإيجاد الطرق العلمية، لتقنين استخدامها، بحيث يتم ضمان استمرار تدفقها، بالقدر الذي تلبي فيه حاجة الاستهلاك البشري، والإنتاج الزراعي، ومواجهة متطلبات التنمية الصناعية، من جهة، والتوازن البيئي من جهة أخرى. وتحقيق خطة عربية جماعية لمواجهة التحديات الخارجية، المتمثلة في نهب هذه الثروة. ويجب أن تربط محاولات الإصلاح، ببرامج لاستصلاح الأراضي الزراعية، واستخدام طرق الري الحديثة، بما يضمن الحفاظ على استمرارية الثروة المائية. ويأتي في مقدمة ذلك اتباع المقننات المائية، لكل محصول من المحاصيل، وتبطين قنوات الري، لمنع تسرب المياه، والتوسع في عملية نقل المياه، من الأحواض السطحية أو الخزانات الجوفية؛ لتوفير المياه للمناطق التي تفتقر لها. والاستفادة من مياه الأودية الموسمية ومياه السيول، والتوسع في معالجة النفايات السائلة للمصانع؛ لإعادة استخدامها، وبث الوعي بين المواطنين، بأهمية الحفاظ على الثروة المائية. إن الكثير من الأقطار العربية، لا تستطيع بمفردها، نتيجة لضعف مواردها وامكاناتها الاقتصادية الاضطلاع بمهمات الإصلاح، وتأمين أمنها المائي، إلا ضمن منظور استراتيجي عربي شامل، يأخذ بعين الاعتبار حق الجميع، ومصلحة الكل.