نحن نحجز الرقم ٥١ في قائمة أكثر الشعوب اختيارا للإقامة الدائمة أو شبه الدائمة في كندا، ولا يفصل بيننا وبين مهاجرين من دولة مثل باكستان سوى ٤ مراتب. مهلا.. لا تستغرب كثيرا، فالأمريكان يحتلون المرتبة الثالثة في قائمة أكبر الجاليات المهاجرة بعد الألبان والجزائريين. هذا لم يأت من فراغ طبعاً، فكندا مشغولة بالتنافس مع الإسكندنافيين في توفير أفضل نظام معاشات للتقاعد، وأفضل رعاية صحية، وأفضل تعليم أساسي، وأفضل رعاية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وإحدى أفضل شبكات النقل وغير ذلك من الأولويات.
كندا التي كانت مزارا دراسيا محدودا للأطباء السعوديين بشكل خاص، ولم يتجاوز عددهم ١٥٠٠ دارس في الجانب الصحي حتى العام ٢٠٠٦م، استيقظت منذ العام ٢٠٠٧ على قدوم موجة عاتية من الدارسين ضمن برنامج الابتعاث وصل معها عدد السعوديين خلال نفس العام إلى ١٢ ألف مبتعث. وأفصحت وسائل الإعلام الكندية عن اهتمامها الكبير بقدوم كل مبتعث ومبتعثة، ليتزايد الاهتمام الإعلامي خصوصا في العام ٢٠١٠م بتسليط مزيد من الضوء على ما اعتبروه ظاهرة تعليمية في حينها. وفي وصف طريف لمدير جامعة نيوبرونزويك إيدي كامبيل أثناء حديثه لصحيفة «ذا غلوب آند ميل» الكندية يقول: حضور الطالبات والطلاب السعوديين يوازي حضور الطلاب الصينيين! كما لم يخف عدد كبير من هؤلاء الأكاديميين الذين يقودون أعرق الجامعات الكندية أن ما يجري، آنذاك، كان يحقق دخلا ماديا مهما جداً لتلك الجامعات ويدعم اهتماماتها البحثية وبرامجها التطويرية في جانب التخصصات العلمية على اختلافها. ولكن من المهم الاعتراف أن مبتعثينا ليسوا المصباح السحري للاقتصاد الكندي في المجمل، فالعملاقة كندا قد حجزت خانتها بدوننا كأحد أقوى اقتصادات العالم المتقدم. أقول هذا وأنا أقرأ تنويها للحكومة الأمريكية، منشورا في وسائل إعلامنا المحلية، تؤكد فيه على أهمية أن يلتزم ٢٠٠ ألف سعودي من الحاصلين على الجنسية الأمريكية بسداد الضرائب المتراكمة عليهم.
حتماً هناك أسرار دفعت العرب والغرب للتشبث بفكرة الاستقرار في كندا، وإلا لما تزايدت اشتراطات الترخيص للهجرة تعقيدا في ظل تعداد سكاني قوامه ٣٥ مليون نسمة فقط يتوزعون على امتداد أرض مثقلة بالخيرات، ومساحتها ١٠ ملايين كم٢ تقريباً! ومن المعلوم أن أكبر دوافع اللجوء إلى الهجرة هي الحرب، الفقر والظلم. وكندا نجحت بامتياز في إقصاء أهم سمات التمييز المؤدية إلى كل هذا.
الآن، ومع تقليص قائمة الجامعات الدولية المعتمدة للتعليم العالي تمشياً مع مقاييس الأفضلية لأهم ١٠٠ جامعة عالميا، هل نتيح حضورا أفضل للتعليم الكندي في الداخل؟ ما الذي يمنع؟ وما الذي تنوي وزارة التعليم الإفصاح عنه في القادم، وهي التي نوهت عن نيتها تدشين جملة تراخيص لجامعات دولية. لماذا لا نخطب ود كندا وحضورها التعليمي المميز في الداخل.. ستكون تجربة رائعة وحافلة بكثير من التفاصيل الجميلة، إلا من وعد بهطول ثلج!.