كثُرت المقالات حول التعليم وما يتعرض له من مفارقات قد تكون أحياناً حقيقة وقد تكون مجحفة في حق هذا السلك الكبير وفي أهله، وتقف حدودي دوماً عند عملية التعميم والمقارنات بين هذا وذاك وما فعلوا وما قدموا وما يجب عليهم وما لا يجب، والحق أن مهنة التعليم من أهم المهن التي على الساحة إن لم تكن الأولى في الأهمية ومنها تنبثق جميع المهن الأخرى، فالطفل يأتي إلى المدرسة منذ نعومة أظفاره صفحة بيضاء خالية من أي أمر إلا من بعض الرتوش البسيطة التي وضعها الوالدان والاخوة والأقارب والتي قد تكون مفيدة للمعلم وقد لا تكون فتبدأ معاناة المعلم للتصحيح، وللتصحيح لابد من أن تتخذ قواعد أساسية وليست عشوائية كالتخويف ورفع الصوت والإجبار على الطاعة وغيرها وهذا ما نلقاه من المعلمين منذ البداية وحتى الآن إلا من رحم الله، وأيضاً ليست في المحاباة والتقرب والصمت عن الغلط وهو الجانب الثاني لهذا الأمر، بل لابد من اتخاذ الطريق الأمثل والصائب في التعامل مع الطفل.
حين تمتلك منزلاً أو أرضا زراعية أو أي بقعة ترابية تريد أن تجعلها خضراء تسر ناظريك حين تراها فهناك الكثير من العمل لها، كالتقليب والتسميد وزرع البذور الصحيحة وتوفير العوامل المناخية السليمة لها حتى تحظى بمحصول جيد وببقعة سليمة معافاة تتقبل البذر والزرع، والطفل لديك في سلك التعليم كهذه الأرض التي لا تعلم ما بداخلها حتى تقلبها وحين تقلبها ستظهر لك جميع الشوائب التي ترسبت في داخل هذه النفس من سوء تربية وسوء فهم وصحبة خاطئة وضعف ثقة وقلة إدراك وغيره، وهنا يأتي دورك في استئصال هذه الشوائب من نفس هذا الطفل حتى تحظى بقربه ومحبته وتقبله فتبدأ بوضع البذور التعليمية والتربوية في نفسه، وبإذن الله ستجد القبول الكبير وستحصد النتائج الطيبة لهذا الأمر ولا أقول هذا الكلام من فلسفة دراسية لا والله بل أقولها من خبرة تعليمية مازلت حتى الآن أحصد جميل نتائجها من معلمات تدربن تحت يدي وطالبات تعلمن تحت يدي وجدير بالذكر أن أقول إنني ما زلت أحصد جميل تلك السنوات.
أن تفعل كل هذا فهو مجهود كبير ستحتاج فيه إلى صبر وعزم وإدراك بماهية المهنة التي تمارسها لا تنظر إلى من يحبط أمر هذه المهنة ويقلل من قدرها ويقلل من تواجدها فلولا الله ثم التعليم لن تنشأ المهن الأخرى أبداَ ولن تنشأ، لذلك حين تتم المطالبات من الكثير تجاه المعلم وتجاه المدرسة لابد أن تكون هذه المطالبات في حدود العقل والقدرة حتى يتسنى لهذا المعلم أن يعطي هذا العلم بطريقة صحيحة ويُوَجه بطريقة صحيحة، لا أن يُوَجه بطريقة عشوائية قائمة على تعليمات ومطالبات إدارية عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع إلا أنها تشغل المعلم عن مهنته الأساسية وهي العطاء الأصيل وليس العطاء المبهرج الذي تضيع بداخله القيمة الأساسية للعلم والتعلم، والسؤال هنا:
هل كل معلم.. معلم؟
وهل كل مدير.. مدير؟
وهل كل موجه.. موجه؟
الأكيد أنه لا ...
ولو اردنا أن نهيئ الكل لهذا الأمر ونصحح الوضع من جذوره فلابد من دورات تدريبية مكثفة تثقل كاهل ميزانية التعليم كثيراً، لذلك لابد من تصحيح هذا الأمر من بدايته وعدم جعل الاختيار عشوائياً نتيجة اختبارات كتابية ومقابلات شخصية من أشخاص غير مؤهلين، لابد أن يكون هذا الأمر من أشخاص حملوا درجة عالية في علم النفس البشرية حتى يستطيع ان يحكم ولو بجزء بسيط أن هذا الشخص يستحق ان يكون قائداً على طلاب أو على معلمين أو على منشأة دراسية، فان تم إصلاح هذا الأمر من بدايته حظينا بسلك تعليمي وسلسلة تعليمية صحيحة ذات بيئة سليمة يخرج منها جيل مقدر للتعليم والمتعلمين.
ولنا لقاء قريب في مقال قادم لنكمل حلقات التعليم وما يدور بداخله وخلاله.