DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

بندر الحربي

نصٌّ فكاهيٌّ لكورت فونجيت

بندر الحربي
بندر الحربي
أخبار متعلقة
 
ما أصعبَ أنْ تكتبَ نصًّا فكاهيًّا! في روايتي «مهد القط» على سبيل المثال، كتبتُ العديدَ من الفصول شديدة القِصر، كلُّ فصل منها استغرق مني يومًا كاملا، وكل عمل كان بمثابة نكتةٌ واحدة. لو كنتُ أكتب عن واقع حزين، فلن يكون من الضروريِّ ذِكر وحسابُ الوقت بهذه الطريقة للتأكيد على جودة النصِّ. من الصعب أنْ تخفق عندما تكتب نصًّا يغلب عليه الحزنُ، في هذه الحالة يتطور النصُّ بوجود العناصر الأخرى المناسبة، ولكن عندما تكتب نصًّا فكاهيًّا، فهو عملٌ أشبه ببناء مصيدة فئرانٍ من العدَم، أمامك عملٌ شاقٌّ جدًّا لتجعل هذا الشيء يَضرب في الوقت الذي يفترض أنْ يضربَ به. ما زلتُ أستمع إلى الفكاهة، في الوقت الذي لم يعُد هناك الكثير منها. أقرب شيء في متناولي هو إعادة برنامج مسابقات غروشو ماركس، لتتأكد من هذا الكلام، لقد كنتُ- وما زلتُ- أعرف أنَّ الكتَّاب الظرفاء لم يعودوا ظرفاءَ، بل أصبحوا أشخاصًا جادِّين، ولم يكتبوا في الفكاهة أكثر. دعني أضرب مثلاً هنا مايكل فراين، الكاتبَ البريطانيَّ الذي كتب «رجال الصفيح»، أصبح شخصًا جادًّا جدًّا، يبدو أنَّ شيئًا ما حدث في رأسه! الفكاهة هي وسيلة لمدافعة فكرة كم هي الحياة صعبة، ولحماية نفسِك أيضًا. أخيرًا، ستأتي متعبًا جدًّا، والأخبار مخيفة، والفكاهة لم تعُد هي الفكاهة كما كانت. يعتقد شخصٌ ما مثل مارك توين أنَّ الحياة صعبة، ولكن الفكاهة تدفع هذه الصعوبة، وهكذا دواليك، ولكنه في النهاية لم يستطع القيام بذلك. لقد ماتت زوجته- أقرب أصدقائه- واثنتان من بناته. إذا قُدِّر لكَ أنْ تعيش عمرًا طويلًا بما فيه الكفاية، فإنَّ الكثير ممن في قربك الآن سيغادرونك بلا رجعة، ولعلَّ هذا هو السبب في أنني فقدتُ الاهتمام بكتابة الفكاهة، هذه الآلية الدفاعية التي لم تعُد مُرضية بالنسبة لي. بعضُ الناس ظرفاء، وبعضهم ليسوا كذلك، لقد عُرفتُ بالفكاهة، وربما لم أعُد كذلك الآن. قد يكون هناك الكثير من الصدماتِ وخيبات الأمل من أنَّ الآلية الدفاعية في الفكاهة قد أصابها الخلل. ربما قد يكون بسبب أنني رأيتُ الكثير من الأشياء التي أساءت لي ولا أستطيع التعامل معها من منطلق الفكاهة. في الحقيقة أنا لا أعرف الآن إلى أين أتجه؟! إنني ببساطة مستمر بالطريق لأرى ما يحدث لجسدي وعقلي، بل إنني مندهش كيف أصبحت كاتبًا، في الوقت الذي لا يمكنني السيطرة على حياتي أو كتاباتي. يشعر الكتَّابُ الآخرون الذين أعرفهم، أنهم قادرون على توجيه أنفسهم، في الوقت الذي لم يعُد لديَّ هذا الشعور، وذلك النوع من السيطرة. هكذا أصبحتُ ببساطة، كلُّ ما أردتُه حقًّا هو أنْ أقدِّم للناس مُسَكنًا من الضحك؛ فالفكاهة يمكن أنْ تكون مُسكِنًا، مثل قرص الأسبرين. وإذا استمر الناس لمائة سنة قادمة يضحكون، فسيكون ذلك من دواعي سروري بالتأكيد. عندما وُلِدنا لم تكن لدينا ملَكة التخيل، بل وضعها فينا المعلمون والآباء. لقد كان الخيالُ في وقت من الأوقات على درجة عالية من الأهمية؛ لسبب بسيط، وهو أنه المصدر الرئيس للترفيه. لو كنتَ في عام 1892 طفلاً في عمر السابعة، وقرأتَ قصةً بسيطةً، تدور أحداثها عن فتاة مات كلبها، ألا يجعلك ذلك تشعر بالبكاء؟! ألن تشارك تلك الفتاة الصغيرة شعورَها؟ وعندما تقرأ قصة أخرى عن رجل غنيٍّ بَدين انزلق على الأرض بعد أنْ وطأت قدمه قشرَ الموز، ألا يدفعك هذا للضحك؟.... وهكذا تُبني دائرة الخيال في رأسك. بل إذا ذهبتَ إلى معرض لوحاتٍ فنية، فستشاهد هناك مربعاتٍ مطلية معلَّقة على الجدرانِ، لا تُصدِر صوتًا، ولا تُحرِّك ساكنًا منذ مئات السنين، ولكن دائرةَ الخيال تدرَّبتْ على أنْ تبرر وتشرح كلَّ صغيرة وكبيرة فيها. الكتاب، ذو الصفحاتِ التي تحوي ستًّة وعشرين رمزًا صوتيًّا، وعشرة أرقام، وثماني من علامات الترقيم، يستطيع أنْ ينقل الناسَ بعد أنْ يتصفحوه بأعينهم إلى تصوير ثورة بركان جبل فيزوف، أو معركة واترلو. ولكن الآن- ومع وجود تلك العروض الترفيهية المقنعة والمبهرة جدًّا، بأصواتها، ومؤثراتها- لم يعُد بناءُ هذه الدوائر ضروريًّا بالنسبة للمعلمين والآباء. حاليًا، هناك طريق سريع للمعلومات، نحن لسنا بحاجة لهذه الدوائر الآن، كما لم نعُد بحاجة إلى تعلُّم كيفية ركوب الخيول. أولئك الناس الذين ما زالت لديهم تلك الدوائر من الخيال يمكن أنْ ينظروا في وجه شخص ما ويروا في ذلك الوجه قصصًا؛ ولكن بالنسبة للآخرين، فإنَّ الوجه هو مجرد وجه. من هو أفطنُ شخصٍ التقيتُ به في حياتي كلها؟ لقد كان رجلًا. هو الرسام شاول شتاينبرغ، وهو مثل كلِّ من عرفتُهم، ميتٌ الآن. لقد كنتُ قادرًا على سؤاله عن أيِّ شيء، وبعد ستِّ ثوانٍ تمامًا يجيبني بالجواب المثاليِّ، على نحو فظٍّ، وببعض التذمُّر. وُلِد في رومانيا، في منزل كان يصفه قائلًا «تطل علينا طيورُ الإوز من نوافذه». - قلت له: «شاول، كيف ينبغي أنْ يكون شعوري نحو بيكاسو؟» مرت ستُّ ثوانٍ. - قال: «جاء إلى الأرض ليبين لنا كيف نبدو عندما نكون أغنياءَ حقًّا». - فقلت له: «شاول، أنا روائيٌّ، وكثير من أصدقائي من الروائيين، ولكن عندما نتحدث يلازمني شعورٌ بأننا في مجاليْن مختلفيْن تمامًا. ما الذي يجعلني أشعر بهذه الطريقة؟» مرت ستُّ ثوانٍ. - قال: «الجوابُ بسيطٌ جدًّا، هناك نوعان من الفنانين، ليس لأحدهما تفوُّق على الآخر؛ أحدهما يستجيب لتاريخه الفنيِّ، والآخر يستجيب للحياة نفسها». - قلت: «شاول، هل أنت موهوبٌ؟» مرت ستُّ ثوانٍ. - قال بقليل من التذمر: «لا، ولكن تعامُلك مع أيِّ عمل فنيٍّ هو نضالٌ يقوم به الفنانُ لتجاوُز حدودِه وقدرتِه». كورت فونجيت