كما هو معروف ومعهود ان محافظة الاحساء تعد احد اهم مواطن زراعة النخيل في العالم، بل ربما تكون منشأ النخلة، وتعتبر ذات اهمية خاصة ليس فقط كمصدر للغذاء ولكن لارتباطها العريق بعادات وقيم اجتماعية توارثتها الاجيال، فهي رمز العربي عاشت معه في جزيرته وتعايش معها وعرف اسرارها حتى اصبحت جزءا لا يتجزأ من كيانه منذ بداية الحياة البسيطة وحتى عهدنا هذا ما زالت النخلة تحافظ على مكانتها الشامخة عند الذين يعرفون مكانتها التي حباها الله تعالى بها.فالنخلة رمز للبيئة الصحراوية حيث انها من اكبر النباتات صمودا وتكيفا وتحديا للبيئة الصحراوية نظرا لتحملها درجات الحرارة المرتفعة والجفاف والملوحة التي قد لا تتحملها اي نبتة اخرى، ونظرا لتآلفها مع البيئة تراها اكثر شيوعا من غيرها في صحارى ربوع بلادنا الغالية، شامخة ممشوقة القوام، ممتدة جذورها في الارض وفروعها باسقة الى عنان السماء تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها بثمر طيب شهي هو حلوى الغني وطعام الفقير ولقد كان اوائلنا يعتمدون على التمور في سني الجوع والمسغبة وعنوان للضيافة العربية.
ومن ينظر الى النخلة وخلقها البساق العجيب لا يسعه الا ان يسبح الله ويحمده متفكرا في عظمة المولى جل وعلا وجمال المخلوق تبارك وتعالى. وقد اثنى الله تعالى على النخلة في مواطن عديدة من كتابه المجيد في اكثر من سورة وفي اكثر من آية ولقد تعدد ذكرها في اكثر من 20 آية في 16 سورة حيث قال في سورة الرحمن (والنخل ذات الاكمام) وقال في موضع اخر (والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد واحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج). وكفى بذلك مدحا وثناء كما يطلق عليها في كتب الاديان السماوية باسم الشجرة المباركة والكلمة الطيبة كما وصفها الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل (الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة) قال صلوات الله وسلامه عليه هي النخلة. فيا لها من شجرة مباركة اذا رأيتها ينشرح القلب من عظمتها وتذهل منها النفس ويتحير بسماع وصفها العقل ترى فيها الاباء والشمم ولقد اجاد حسان بن ثابت رضي الله عنه واصفا اياها في شعره:
الدار واسعة والنخل شارعة
والبيض في القسي كالبرد
فالنخلة دوما وابدا تعتبر من مقاييس الثراء ولم تكن يوما مصدرا للغذاء فحسب لكنها عنوان الحياة بكاملها اما عن ثمرها فحدث ولا حرج غذاء ودواء كما ورد في الحديث الشريف عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع اهله، يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع اهله. قالها مرتين او ثلاثا. فبهذا القول حقا علينا ان نجعل هذه الشجرة الباسقة المباركة تنعم وتعطى الحفاوة في كل بلاد الدنيا وتنتشر زراعتها في اقصى البلاد وان يقبل على ثمارها كل العباد. الا انه من المؤسف جدا لا تجد في يومنا هذا من يراعي حرمة هذه الشجرة المباركة التي تعتبر مصدرا من مصادر الطاقة فلقد عمد الانسان بجهله وظلمه لنفسه الى اهمالها بل والى قلعها بروح باردة من اجل ان يحقق اطماعه المادية فما زلت اتذكر يوما كان علي عبوسا عندما خرجت برفقة السائق من اجل النزهة والترويج وبينما انا اسير في احد شوارع القرى الشرقية بمحافظة الاحساء المحروسة لفت انتباهي ما يذهل العقل ويعصر القلب ويكدر الخاطر، اراض زراعية كانت تعج بالنخيل والاشجار الكثيفة تعرت من نخيلها واشجارها وكأنها هبت عليها ريح اجتثتها من جذورها، ومما يدمي القلب ويزعل النفس ويجزعها لا تجد لهذا الفعل الشنيع مبررا الا الهرولة خلف المادة على حساب الحياة الفطرية فهذا الانسان طالما يعمل على استغلال موارد الطبيعة لبناء تقدمه ظنا منه وتحسبا ان سعادته تكمن وراء ذلك العمل المشين طيشا منه وجهلا الا ان هذا الاستغلال خاطىء يؤدي الى اختلال توازن الحياة وأمر ضار للبيئة بشكل عام. نعم انه الطمع والجشع الذي جعل الكثير من الناس يلهث خلف المادة فسولت لهم انفسهم الجرأة على اقتلاع هذه الشجرة المباركة من اجل تخطيط هذه المزارع الى اراض وبيعها اراضي سكنية متناسين ان الخضرة بشكل عام تؤدي الى حماية البيئة من التلوث وتوفر الظلال وترفع الرطوبة والحرارة وتلطف الجو وتساعد على هطول الامطار وتعطي مظهرا خلابا للطبيعة.. الخ، وهي من الامور المهمة لحياة الانسان واستقراره على هذا الكوكب. بالاضافة الى ذلك تعتبر شجرة النخيل عنصرا اساسيا في ابراز وتنسيق المظهر الحضاري للمدن والقرى والمحافظة والبلاد على وجه العموم.
وقبل الختام يجدر بي ان اقول لهؤلاء الناس الذين ينظرون للحياة بعين مادية بحتة ان الحياة ليست مجرد تجارة وكسب فدعونا نتماش مع الركب الحضاري كما ارجو واتمنى من المسؤولين في وزارة الزراعة ووزارة الشؤون البلدية ان ينظروا لهذه الظاهرة وان يضعوها نصب اعينهم وبعين الجد والاعتبار وان لا يدعوا هؤلاء ان يقوموا بمثل هذه الاعمال في بلادنا الغالية لما يرجع مردوده السلبي على المواطن والبلاد.
واخيرا نعلم ان النخلة كنز مجهول ومصدر يحتاج الى شيء من لفت النظر والاهتمام والتنمية والعناية حتى نتمكن من استغلالها على اتم وجه.