DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

موت "الفنتا"

موت "الفنتا"

موت "الفنتا"
موت
أخبار متعلقة
 
كنا ندعوه (فنتا).. هذه المفردة التي اخذت دلالتها من هذا الفتى الامرد الرشيق, ذي البشرة البيضاء المشربة بحمرة فاتنة, وعينين كحيلتين فوق وجنتين متوردتين. ثم سرت من قريتي لجميع القرى المجاورة في فترة السبعينات وحتى نهاية الثمانينات الميلادية, واطلقت على كل من تتوافر فيه امكانيات الجمال والوسامة. انه صديق طفولتي الوحيد عبداللطيف حسن المولع بمشروب (الفانتا).. الفتى الذي مازال يعيش في داخلي منذ اكثر من عقدين من السنين ويأتي لزيارتي كلما سنحت له الفرصة.. فراشة برية لاتحمل من الالوان الا لون التربة في قريتي الغافية فوق الربوة كصخرة جاثمة على فوهة تأبى ان تتزحزح, وتكافح في شموخ محو الذاكرة مهما عبثت بها عوامل التعرية. الفراشة التي ليس لها صلة برحم الربيع والوان زهوره الزاهية المنثورة بمختلف الالوان والاشكال فوق الحقول المكتنزة بالعبير الفواح, فوق الشجيرات التي تتزاحم منتظمة في البساتين المحيطة بقريتي كسياج منيع من كل جانب.. تلك الفراشة لاتنفك تعاودني بين فترة واخرى فاراها جاثمة على جدار منزلنا الطيني الذي تتلون بلونه, ثم على الجدار الخرساني بعد ان رمم المنزل بالاسمنت. هذا ما كنت اعتقده واعيشه منذ ان قالت لي امي ذلك بعد اسبوع من عصر ذلك اليوم القائظ عندما خرجت من البيت وتلقيت نبأ وفاة عبداللطيف من احد الجيران, الذي اخبرني بانه توفي عند الساعة الثانية بعد الظهر, بالقرب من البقالة الوحيدة في حينا بعد ان سكب في جوفه زجاجة (فانتا) باردة كما كان يحبها. الخبر الذي نزل علي كالصاعقة واقعدني فوق دكة بيت الجيران بعد ان عجزت عن المشي, جعل قلبي يرتجف, ومفاصلي تهتز. كنت خارج هذا العالم استعرض في ذاكرتي كل اللحظات التي مرت طيلة السنوات الخمس التي قضيتها معه, في المدرسة حينا وبين جنبات الجداول حينا آخر في السباق الذي ينتعش كل شتاء قفزا بالعصي فوق الجداول مع صبيان القرية, او في لعب التيلة.. الدوام.. الوصلي.. الطاق طاقية.. الفاي فايوه.. الدحجوه.. الحجيرات.. المخطة.. وغيرها من الالعاب. شعرت حينها انني لم اكن قادرا على لفظ كلمة واحدة, وعرفت فيما بعد انني لم ارسم من صور التعابير سوى صورة الصمت وامتقاع وجهي المبلل بالعرق, وشخوص اماقي التي لم تذرف دمعها, الا بعد ان جاءت امي وضمتني لصدرها بعد ان زفرت هواء رئتيها في وجهي واخذت تمسح بيديها على رأسي ووجهي وهي تردد: اسم الله عليك يا غناتي.. اسم الله عليك يا بعد عمري.. اسم الله عليك يا بعد امي وبوي.. اسم الله عليك يا بعد طوايفي.. اسم الله عليك يا بعد كل الى راحو ولاجو, ثم حملتني الى البيت وهي لم تزل تتمتم بالبسملة وكلمات اخرى حتى وضعتني فوق سريري. بعد ان حضرت جدتي في المساء وعرفت بما اصابني اوصت امي بأشياء. فعلت امي كل ما اوصتها به الجدة وفي اليوم السابع بعد ان تعافيت تماما نادتني امي بعد الغداء وقالت: لاتحزن كثيرا يا ولدي.. عبداللطيف يزورك كل يوم ويجلس معك.