الدكتور مصطفى محمود رجل انعم الله عليه فقد عاش حياته بالطول والعرض وربح الدنيا والاخرة ان شاء الله.. ففي الحب والعشق له كتب، وفي الفلسفة له كتب، وفي الاغاني والموسيقى له كتب، وفي تفسير القرآن له كتب، وفي التليفزيون له احاديث ترى حكمة الله ودليله في رفة جناح البعوضة.. وفي هفة عبق الوردة..
يتحدث فترى عينين مسبلتين خجولتين متصوفتين كأنهما لم تعرفا من الحياة الا خلوات النفس والعبادة.
في احد احاديثه تمنى د.مصطفى محمود ان يعيش اربعمائة عام.. وقال انها تكفى بالكاد ليقرأ ويعرف ويكتب كل ما يريد. هو الآن في الثمانين.. ندعو الله ان يعطيه من العمر مثلما يريد ويعطينا مثله لنقرأ له ونتابع ما تبقى من اعماله ان شاء الله.
يقول د.مصطفى محمود "ان اسوأ ورطة نقع فيها هي ان يستحوذ علينا اي شىء جدا جدا، فالفرح حينما يستحوذ علينا جدا فانه يهزنا بما يشبه الحزن، والحب جدا يؤدي الى الكراهية، والاستهتار جدا يؤدي الى التوبة والرهادة".
وهذا الرأي يؤكده قول الله سبحانه وتعالى (وكذلك جعلناكم امة وسطا) ويؤكده قول الرسول صلى الله عليه وسلم (خير الامور الوسط) ويؤكده المثل الذي يقول (اذا زاد الشىء عن حده انقلب بالطبع الى ضده) ويؤكده ما نقوله عندما نضحك اكثر من اللازم (اللهم اجعله خيرا) وهذا دليل على ان للعواطف والمشاعر حدودا يجب الا نتجاوزها والا نبالغ فيها، فاذا احببنا فالى حد واذا كرهنا فالى حد.. واذا اعطينا او توقعنا جزاء الآخرين فالى حد.. وتجاوز هذه الحدود يوقعنا في الصدمات.
فانت اذا بالغت في الحب والوفاء وتوقعت المثل فلن تجده، لان الطرف الآخر لم يجد مساحة من الحب والوفاء يتحرك فيها نحوك.. لانك استحوذت على مساحتك ومساحته، ومعذور هو لانه لا يجد ما يعطي، ومحذور انت لانك بالغت وتجاوزت.. وفاشل هذا الحب والوفاء لانه استولى بأحد اطرافه على كفتي الميزان، فأين يضع الطرف الآخر حبه ووفاءه؟ ان الحياة خليط من المشاعر والعواطف والمتناقضات، فلابد ان نقف من كل هذا موقفا وسطا.. لا زيادة فيه هنا.. ولا نقصان فيه هناك..
وتلك حكمة الله ان اعطانا قلبا وعقلا.. فالقلب يحاول ان يعطي بلاحدود.. بينما العقل يزن.. ويقدر.. ويحدد.. ويخط لك بالقلم ويقول لك: قف هنا ولا تتجاوز.
اضاءة:
اقول لهم ساعة الدفن خففوا علي
ولا تلقوا الصخور على قبري
الم يكف هما في الحياة حملته
فاحمله بعد الموت صخرا على صخر
(احمد شوقي)
