بمناسبة القمم العربية الاخيرة دعونا نرجع بذاكرتنا الى ايام كهذه الايام وشهر كهذا الشهر والى ظرف كهذا الظرف الى 28 مارس 1978 لعل الذكرى تنفعنا كمؤمنين!! ففي هذا اليوم تشكلت لجنة وزارية سميت (لجنة التضامن العربي) ودواعي تشكيل اللجنة تذكرنا باللجنة التي دعت لها القمة الاخيرة، فهي قد جاءت كمحاولة لتفادي ما كان وقتها يعد كارثة ومصيبة ستقع على رأس الامة العربية وهو الصلح المنفرد الذي كان الرئيس السادات ينوي ان يعقده مع اسرائيل، ففي ذلك الاجتماع الذي امتنع عن حضوره (العراق وسوريا وليبيا ومنظمة التحرير والجزائر) مما عرفوا فيما بعد بجبهة الصمود والتصدي، شكلت هذه اللجنة في محاولة لرأب الصدع الذي حدث في الصف العربي، ومحاولة لتحقيق حد ادنى من التضامن من اجل عقد قمة عربية ضرورية للخروج من الكارثة او الازمة!! ومن خلال استعراض سريع لبعض مقتطفات الوثائق الرسمية لاجتماعات تلك للجنة سنضطر سويا الى ان نبحث عن (صفية) لتغطينا، اذا سيتضح اننا لم نتحرك قيد انملة، وسبحان الله.. ثلاثون عاما مضت وتاريخنا يكاد يكون نسخة ممجوجة مكررة لظروف تتشابه وبأوجه وباشخاص هم ذاتهم لم يتغير معظمهم، وبعقلية وبطريقة ادارة لم تتحرك قيد انملة!! فالجبهة هي ذاتها اليوم عدا تغيير طفيف، واسلوب ادارة الازمة هو ذاته! والنتائج هي ايضا ذاتها!! فعلى سبيل المثال ابدت اللجنة على لسان وزير خارجية الاردن حين ذاك الشريف عبدالحميد شرف قلقها من المستوى الذي انحدرت فيه لغة التخاطب قائلا في الاجتماع الاول للجنة (هذه شروط النجاح لعقد قمة تنهي الخلافات وتحاصر لهجة التخاطب التي وصلت الى مستوى بالغ السوء!!) السؤال بعد ثلاثين عاما ما الذي تغير؟ اما ليبيا فقد رفضت استقبال لجنة التضامن العربي لانها لم تعترف بوجودها اصلا بل وأجرت اتصالات مع الجزائر لحثها على عدم استقبال اللجنة!! بعد ثلاثين عاما ما الذي تغير؟ كالعادة محاولات لاستقطاب الرئيس ياسر عرفات في النزاع العربي العربي وكانت جبهة الصمود واحدة من تلك الاستقطابات التي اثرت كثيرا على العلاقات المصرية الفلسطينية، ثم اعاد الرئيس عرفات الخطأ من جديد اثناء غزو الكويت فاثر على العلاقات الفلسطينية الخليجية، اليوم اي في القمة الاخيرة والخلافات العربية العربية على اشدها يبدو ان هناك تغييرا طرأ على الاستراتيجية الفلسطينية، فقد اكتفى الرئيس عرفات بكلمات معدودة عن العراق في القمة الاخيرة وركز على همه الفلسطيني (بعد ايه)!! ربما بعد ثلاثين عاما تغير! رئيس اللجنة الرئيس النميري في مباحثاته مع السلطان قابوس في صلالة يأسف على ما آل اليه الوضع العربي قائلا: (ان اهتزاز صورة العرب بالنسبة الى الرأي العام العالمي نتيجة للخلافات والاتهامات المتبادلة بين مختلف الاطراف العربية) وان (انقسام دول العالم حول القضية العربية ليس من حيث موقفها مساندة او معارضة لاسرائيل، انما من حيث مواقفها بالنسبة الى مختلف الاطراف العربية المتنازعة). اما العبارة التالية التي رد بها السلطان علي النميري رئيس اللجنة فانها تلقي الضوء وربما توضح الدوافع التي هي وراء القرار الحكيم الذي اتخذته عمان بالاهتمام بتطوير وتنمية شئونها المحلية والتركيز على الداخل فيما يعود على المواطن العماني بالخير بدلا من تضييع الوقت في تلك القمم (لقد علمتنا التجارب السابقة ان اي تجمع عربي على مستوى القمة ينتهي بقرارات يجري الموافقة عليها جماعيا، الا ان هذه الموافقة لا تعني الالتزام بها من جانب كل الدول العربية.. لقد حدث اكثر من مرة ان انتهت اجتماعات القمم العربية بمواقف عربية ممهدة وقرارات اتخذت بالاجماع ومع ذلك نسمع عن تصريحات لقادة عرب يتهمون قادة اخرين بالتآمر عليهم والسعي لقلب نظم الحكم التي يترأسونها!!). السؤال بعد ثلاثين عاما ما الذي تغير في عالمنا العربي؟ (بقية ما قاله السلطان يحتاج لدراسة معمقة تبين حكمة ودراية وصراحة نحتاجها هذه الايام اكثر من اي وقت مضى). واختم هنا برأي يستحق التمعن للشيخ صباح الاحمد عضو لجنة التضامن العربي قاله في الاجتماع الاول للجنة (اود ان اشير هنا الى ادعاء مصر بأن 99ر99% من اوراق حل قضية الشرق الاوسط في يد الولايات المتحدة انما هو قول خاطئ، واستبعاد دول كالاتحاد السوفيتي والاعتماد على امريكا فقط اتجاه له خطورته، فالعالم العربي ينبغي ان يكون على علاقة متوازنة مع كل القوى المؤثرة في العالم، والتي تربطنا بها جميعا مصالح مشتركة، لذا لابد من العودة بالمنطقة الى حجمها الاقليمي وعدم استقطاب طرف دولي واستبعاد طرف آخر!!).
صحيح (سبحان مغير الاحوال) قد تكون عبارة ملائمة تناسب التغيير الذي حدث للموقف الكويتي، انما العبارة التي هي اكثر تطابقا مع هذا التحول هي التي تقول: اش جابرك على المر؟ قال اللي امر منه!. وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين.
الوثائق من كتاب (التضامن العربي ذلك المستحيل للكاتب فؤاد مطر) توزيع المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
