DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
eid moubarak
eid moubarak
eid moubarak

محمد عبد الواحد

محمد عبد الواحد

محمد عبد الواحد
أخبار متعلقة
 
@@ كلنا في النهاية قد نحصل على تلك الحكايات المبتورة بنهاية الأجل.. ومعها خطوط الزمن والتعب .. وكلنا سنشيخ وعلى ألسنتنا ثمة حكايات ناقصة بدأت منذ زمن طويل ولم تنته. @@ والناس غالبا لا تتوقف عن الكلام.. كلها تحكي.. وتروي مغامراتها.. بشيء من التلذذ والتحسر على الأيام التي مضت ولن تعود.. والبعض قد لا يرى الحقائق كلها.. انه يختار ما يتجمل به حتى ولو كان كذبا.. ولهذا فالحكاية غالبا لا تكتمل.. ثمة سطور.. واحداث.. وخزايا.. وخطايا.. قد اهملت عمدا.. فليس كل ما يعرف يقال.. @@ هذا الشيخ المسن.. الذي تجاوز السبعين بدا لي منذ الوهلة الاولى.. انه سيروي حكاية مكتملة.. وبلا رتوش يقول انه ولد.. في احد احياء جدة التعسة وانه خرج الى الدنيا هكذا بلا هوية.. وهو لا يعرف من أين جاء أبواه الى (الكرنتينا) ذلك الحي في طرف جدة الجنوبي وقد شاهد ان كل ما حوله.. اسود.. الوان الناس.. جلودهم.. افكارهم.. وحتى طريقة حياتهم.. ويقول انه لم يذهب الى المدرسة.. ولكن الى فقيه - افريقي - في الحي يعلم الأطفال السود القرآن ويكتب بضع كلمات على الواح خشبية.. تمسح في اليوم التالي كما تمسح ايام الناس.. وهو يرى ان هؤلاء الناس مثله تماما.. لم تكن فقط جلودهم سوداء - بل ايامهم ايضا.. فهم بلا هوية.. ولا وطن.. ومن يدخل الى (الكرنتينا) لا يخرج منها. @@ ويقول الشيخ لقد عشت طوال حياتي.. بلا بطاقة.. ولا جواز سفر.. ومع هذا فقد وضعت مع آخرين في سفينة مخرت بنا البحر شهورا.. ثم عادت بنا الى ميناء جدة.. حيث لم تقبل بنا أى بلد.. ولم يسمحوا لنا بالدخول الى أي بلد.. كان هذا منذ زمن طويل جدا وقد خرجنا من (الكرنتينا) وعدنا اليها.. وكأنها قدرنا الذي لا مفر منه. @@ قد يكون هناك بعض الجهود المبذولة من قبل الدولة هنا لاصلاح اوضاعنا.. ولكننا حتى الان لا نحمل اقامات ولا بطاقة انتساب الى اي ارض.. حتى هذه الارض التي ولدنا وولد اطفالنا عليها.. نحن ضائعون يا سيدي.. قد نكون نعرف ملامح بعضنا.. واسماءنا.. ونتعاطف في الأزمات .. ولكن لا احد يرانا.. لقد اصبحنا جزءا من هذا الوطن ومن اهله.. لغتنا.. عاداتنا وحتى ليالي المزمار.. ولهب النار.. وقرعات الطبول.. أصبحت جزءا منا.. ونحن منها.. ولكن حياتنا تنثر كذرات التراب التي نحثو بها وجه النار في ليالي المزمار. @@ هذا ابني سعيد.. وهذه ابنتي سلمى.. وكلاهما تجاوز العشرين.. ولدى ابناء من امرأة اخرى قديمة وهم رجال ولدي احفاد.. وكلنا بلا هوية ولا اقامات. @@ نحن يسموننا هنا (التكارنة) ولا اعرف من اين جاؤوا بهذه التسمية.. اما اسمنا الحقيقي فهو الضائعون في الأرض بلا هوية. @@ وصمت الشيخ الأسود.. وانحدرت دمعتان من عينيه.. وأحسست من فرط حرارتهما انهما تشتعلان في صدري. ولا أزيد.