DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
eid moubarak
eid moubarak
eid moubarak

تطبيع العلاقة بين المال والثقافة

تطبيع العلاقة بين المال والثقافة

تطبيع العلاقة بين المال والثقافة
أخبار متعلقة
 
"بعضهم يحب الشعر، يعني ليس الجميع، حتى ليس أغلب الجميع، لكن القلة. دون أن نعد المدارس حيث الإلزام، والشعراء أنفسهم، ربما سيكون هؤلاء الأشخاص اثنين في الألف، لكن الحساء مع المعكرون محبوب أيضا، ومحبوبة المجاملات واللون الأزرق، ومحبوب الوشاح القديم، ومحبوب البقاء عند ما هو ذاتي، ومحبوبة مداعبة الحيوانات الأليفة". الشاعر والعالم، فيسوانا شيمبورسكا، ترجمة هاتف الجنابي. ونسيت صاحبة هذه الكلمات، الشاعرة البولندية الحائزة على جائزة نوبل للآداب 1996 ـ أن تضيف (المال) إلى قائمة الأشياء المحبوبة لدى الناس. خصوصا وأن المال والشعر لم يكونا دائما على وفاق، ويكاد يصح عليهما قول الشاعر : (شتان بين مشرق ومغرب) وغالبا ما كان الشعر رأسمال الفقراء، فإذا دخل الشعر من الباب هرب المال من النافذة ولكل قاعدة استثناء ! لن أشير هنا بالتفصيل إلى قائمة الشعراء والكتاب الذين عاشوا عيش الكفاف منذ الشنفرى الأزدي، مروراً بإدغار ألان بو وهنري ميلر، ولن تنتهي القائمة بعبد الحميد الديب. تعكس رسالة بعث بها الشاعر إدغار ألان بو إلى والده بالتبني واقع من أدركته حرفة الأدب حيث يقول: أنا في ضيق شديد، لم أذق طعاما منذ صباح البارحة، ليس لي أي مكان آوي إليه ليلا ليس معي سنتيم واحد للحصول على الطعام. أما الروائي هنري ميلر فيصف الواقع نفسه قائلاً :حلت بي تلك الأيام المرعبة التي كنت أستيقظ فيها كل صباح كي أبحث عن وجه ودود عمن يشتري لي وجبة طعام، أو يدبر لي مبيت ليلة، إذ لم أعد قادراً على دفع أجرة الفندق! وأما عبدالحميد الديب فيتساءل قائلاً : (أفي حجرتي يا رب أم أنا في لحدي. ألا شد ما ألقاه في الزمن الوغد) !! وعندما تشير الشاعرة شيمبورسكا ساخرة إلى مداعبة الحيوانات الأليفة، أو إلى حساء المعكرون، فإنما تحاول أن تعكس غربة الشعر، وتستعرض المفارقة وتجسدها حية، فقيمة شطيرة (هامبورجر) في أحد فنادق الدرجة الأولى تفوق قيمة ديوان شعر لأبي العلاء المعري، أو رواية لنجيب محفوظ، أو مسرحية لصاموئيل بيكيت. وقد جسدت هذه المفارقة في أبيات ضاحكة تقول: (ديوان شعرك سعره في السوق سعر السندويشه ، ويقل عن سعر المعسل عابقا في جوف شيشه / يا من يعيش على القصيد أفق فما في الشعر عيشه) ومن المؤكد أنه لا يوجد، هذه الأيام، من يخاطر بالعيش على القصيد بعد أن أصبحت وظيفة الشعر جمالية بحتة. وباختصار فإن كل أدبيات الشعراء الهازلة منها والجادة غالبا ما تشير إلى مثل هذه المفارقة التي أِشارت إليها الشاعرة البولندية شيمبورسكا كما تشير إلى علاقة فاترة بين الشعر والمال. ومن المنطقي أن لا يراهن رجال المال والاعمال على (حصان الشعر) في حلبة السباق المالية. لكن قلة قليلة خالفت تلك القاعدة فألفت بين مالا يأتلف، وسخرت المال لخدمة الثقافة والأدب. ومن هؤلاء الشاعر الكويتي عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري الذي أنشأ مؤسسة ثقافية ليست ربحية تهتم بصورة أساسية بالشعر والدراسات النقدية المتعلقة بالشعر، فتصدر الدواوين والدراسات والموسوعات وتعقد الملتقيات، وتحيي الندوات، وتقيم الأمسيات وترصد الجوائز إثراء لحركة الشعر العربي. يرى الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين أن الهدف من وراء إنشاء المؤسسة هو (تأكيد دور الشعر في حياة الأمة) ويعني هذا من بين ما يعنيه تضييق الفجوة بين المادي والثقافي في الحياة الاجتماعية. فطغيان الجانب المادي على الثقافي خلل فاجع، أما غربة الشعر أو موته فمعناه التصحر الوجداني، ونضوب قيم الجمال ولابد لأي مجتمع سوي أن يحقق توازنا بين هذين الجانبين يجنبه طغيان المادي على كل ما هو روحي وجمالي. ومن يتعامل مع الأستاذ البابطين مباشرة سيلحظ أن شخصية الشاعر عنده تطغى على شخصية رجل المال والأعمال لا لأنه يكتب الشعر فحسب، بل لتواصله الحميم مع رجال الأدب والفكر والثقافة وقد تجسد هذا لي وللآخرين في قاعة المؤتمرات في فندق الخليج عندما رصد جائزة للشاعر العراقي جواد جميل القادم من منفاه في لندن بعد انتهائه من إلقاء قصيدته مباشرة.. لم يكن الشاعر جواد جميل نظاما يراهن على حنجرة فولاذية تخرق الآذان، ولم يعول على منمنمات البديع، وفنون البيان، ولم يمتط زاملة الترقيص والتطريب عبر القوافي والأوزان، لم يتكىء على عكاز الإلقاء، ولم يوغل في التهويم والتعتيم ولم يقف يؤمئذ، مادحا يستمطر الهبات، بل وقف ليسكب صوراً تحكي غربة الوطن وتشظي الإنسان. وقد هاجت القاعة وماجت تفاعلا مع تجليات الشعر لقد كان تفاعل الجمهور يومئذ بوصلة صادقة تشير إلى الإبداع فمنحت الجائزة بقرار كان وليد التو واللحظة, منحت للشعر وحده دون سواه. لم تطلب منا شاعرة بولندا ان نحب الشعر حبا عابرا، أي بالطريقة التي نحب بها وجبة او سيارة مثلا، بل بطرق أخرى مختلفة أكثر احتفاء بالشعر. وقد عبر الأستاذ البابطين عن حبه للشعر على طريقته الخاصة، فأنشأ مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري. أتيح لي أن أحضر دورتين من دورات هذه الجائزة هما (دورة أحمد مشاري العدواني) التي أقيمت في (أبو ظبي) عام 1996م و(دورة علي بن المقرب العيوني) المقامة في البحرين عام 2002م وشهدت كيف تحقق هذه اللقاءات والفعاليات الثقافية التواصل الثقافي والإنساني بين المثقفين العرب فعاليات شعرية ونقدية تتجاور فيها الأصوات على اختلافها وتنوعها، وتتزامل فيها التوجهات الأدبية والذائقات الفنية على تباينها وتساهم في إثراء حركة الشعر والنقد. فهل يصبح هذا تقليداً سائداً؟ وهل يحذو رجال المال والاعمال حذو هذا الرجل فيساهموا في التنمية الثقافية ؟ أم أن تلك مجرد أمنية عابرة في كلام عابر ؟!