الأحداث التي تنقلها لنا الميديا الجديدة بكثير من التجاوز على أدبيات المجتمع كهدية حليمة، وإفطار بهاء، وأفلام «الهياط» وشراء الشهرة التي لا تعد ولا تحصى، والتي كثيرا ما تصيبنا بالغثيان، أو قد تُسيل العرق البارد من جباهنا، خجلا لهؤلاء الذين لا يخجلون، تعيدنا إلى المفكر العربي علي الوردي، وتحديدا إلى ما جاء في كتابه «مهزلة العقل البشري»، حيث ينتقد من يقول: خذوا من الغرب محاسنه واتركوا مساوئه، بقوله: «المسألة ليست انتقاء بطيخ.. لأن الحضارة ومنتجاتها جهاز مترابط لا يمكن تجزئته، لذلك حين تأتي فإنها تأتي كلها بحسناتها وسيئاتها» وأرجو أن أكون دقيقا في نقل فكرته، لأنني أعتمد على الذاكرة وهي حقيقة واقعة تثبتها منتجات التواصل الاجتماعي الشائعة يوميا، وتؤكد أننا فعلا لم نعد ذلك المجتمع الذي كناه، مهما حاولنا أن ندعي تمسكنا بعاداتنا وتقاليدنا، خاصة بعدما وفرت وسائل الاتصال فرص الشهرة، وأصبح الكثيرون يطاردونها على مدار اللحظة، ويذبحون على أعتابها قرابين الحياء والأخلاق والقيم، وكل ما تطوله أيديهم، المهم أن يصبحوا مشهورين، منهم من يريدها للتجارة، ورفع منسوب مكاسبه، كأن يكون لوحة أو منصة إعلانات تجارية مدفوعة، ومنهم وهم الأغلب من يُريد الشهرة للشهرة لترميم نواقص شخصيته، وتعويض فاقدها فيما بات يُعرف بالدارجة بـ (التميلح).
أنا فقط أحاول توصيف الحالة بعيدا عن انتقادها، أو اتهامها، أو تبرئتها، هذا ليس شأني، لأنتهي على أنها نتيجة طبيعية جدا للمتغيرات التي شهدها المجتمع خلال العشرين عاما الماضية، وهي حالة عامة، اشتكت منها مجتمعات أخرى، ولعلنا نتذكر كيف تذمر الفرنسيون على سبيل المثال مما أسموه ثقافة البرجر، حينما اكتسحت مطاعم الوجبات السريعة العالم، وعصفت بمطابخهم، أيضا هنالك أصوات من شرق آسيا تتحدث عن المعاناة ذاتها، بمعنى أنه لا أحد بمعزل عن تأثير هذا الاستعمار الجديد بقوته الناعمة، والذي تضخه ثقافة الآيفون وأخواته، طالما أنه لا يملك أدوات مقاومته، ولا أقصد بالمقاومة الرفض، لأنه لا أحد يمكن أن يرفض ما يجعل حياته أكثر يسرا وسهولة، وإنما مقاومته بالمنافسة بمنتج يفوقه ويحولنا من متأثرين إلى مؤثرين، وهذا عشم إبليس في الجنة، طالما أننا نصطف أمام أسواق «الموبايلات» كل موسم لنستبدلها بنسخة الآيفون الجديدة.
بحث متقدم
