مخططات كرتونية وجودة الحياة

يقول المثل الشعبي «الكلام في الماضي نقصان في العقل». إلا أن من يستحضر أخطاء الماضي ليتعلم منها، فليس في عقله نقصان بل إنه سيد العقلاء. أتذكر هذا المثل الشعبي كلما مررت ببعض أحياء الكثير من مدننا السعودية، وشاهدت حجم المصائب التي ارتكبت عند تخطيط تلك الأحياء سواء في شوارعها، أو في تحديد نظام البناء فيها، أو الأخطاء القاتلة عند تصميم مداخلها ومخارجها والتي تتعارض مع أبسط قواعد السلامة المرورية. بعض المخططات وعلى سبيل المثال اعتمدت قبل أربعة عقود، وسمح بالبناء فيها متعدد الأدوار، بينما لا يتعدى عرض شوارعها عشرة أمتار، مما يدفع السكان للوقوف على جانبي الطريق. فما الذي يبقى فيه بعد ذلك!؟ وكيف يمكن لمركبات الطوارئ وسيارات المطافئ والإسعاف العبور لو حدث مكروه يتطلب تدخلهم لا قدر الله!؟. لو بحثت مليون سنة عن سبب أو تبرير لذلك، لما وجدت غير أن من خطط أو وافق واعتمد تلك المخططات، إنما قد نظر لمصلحة صاحب المخطط بزيادة عدد أراضيه ضاربًا عرض الحائط بمصالح الناس ودون اكتراث لما ستتركه تلك القرارات من مشاكل مستقبلية. وإذا كنت ألوم ذلك الجيل من المهندسين غير السعوديين ممن لم يكن لديهم أي اهتمام أو نظرة لمستقبل مدننا، فإني اليوم أشد لومًا لمهندسينا الذين يعتمدون مخططات «كرتونية» لا جمال فيها ولا حسن تخطيط وبأخطاء لا تقل عن أخطاء الأمس.
لقد درس معظم المهندسين السعوديين في أحسن الجامعات، وسافروا لأجمل مدن العالم، وشاهدوا كيف يمكن تحويل الحي إلى بيئة ممتعة تسر الساكنين، فلماذا لا يجتهدون لتقديم نماذج حديثة كتلك الأحياء التي شاهدوها وتمنوا لو كانوا يعيشون فيها!؟
يا مهندسونا الكرام، انظروا للكيف، وضعوا مبدأ «جودة الحياة» نصب أعينكم، فأطفال اليوم سيصبحون ذات يوم شبابًا وشيوخًا، وحينها لن يغفروا لكم إن مشيتم على خطى من سبقكم، تمامًا كما هو حالنا اليوم مع مهندسي الأمس ممن لم ولن نغفر لهم أخطاءهم. ولكم تحياتي.