DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

مدلولات رقصة «كيكي»

مدلولات رقصة «كيكي»
في الغالب، الأصغر يقلد الأكبر، والأضعف يقلد الأقوى، ومن الطبقة الوسطى من يقلد الأثرياء والطبقة المخملية في المقتنيات والملبوسات، والسفريات والكماليات. وقد قال المؤرخ الفذ ابن خلدون -رحمه الله- في مقدمته: «إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده».
فلا نندهش حين نرى بعضا من الناس الفارغين يقلدون ويركضون وراء كل تقليعة وموضة سواء كانت تناسبهم أم لا، المهم أن يركضوا وراءهم حتى ولو دخلوا في جحر الضب!. وقد انتشر مؤخرا تقليد غريب وهو النزول من السيارة وهي في حالة حركة (مخالف لقوانين السلامة المرورية) وترك الباب مفتوحا والرقص على أنغام الموسيقى في الشارع، وهو ما يسمى برقصة «الكيكي».
وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها تصرفات طائشة ومراهقة، وقد انتشرت في دول مختلفة من العالم، وكما جرت العادة يلحق بها العالم العربي مهرولا كأنه نسخ اختراعا أو أثبت نظرية علمية. ومن قبل طار فئة من الناس خلف تقليعة «دلو الثلج».
أليس من البديهي أن يسأل المقلد عن أصل هذه التقليعة الغريبة؟ وهل تناسب كل فرد ومجتمع؟ والسؤال الأجمل لو قال أحدنا: لماذا هم لا يقلدوننا؟!. فقد كان الشباب الأوروبي يرطن باللغة العربية تفاخرا، وقال الأسقف ألفارو من قرطبة في القرن الثالث الهجري: «لا نرى غير شباب مسيحيين هاموا حبا في اللغة العربية، ويبحثون عن كتبها ويقتنونها ويدرسونها في شغف، ويعلقون عليها ويتحدثون في طلاقة ويكتبون بها في جمال وبلاغة، ويقولون فيها الشعر في رقة وأناقة، يا للحزن!!». وكان روجر الثاني (ملك صقلية) مولعا بتقليد المسلمين والعرب حتى في ملابسهم، ويطرز رداءه بالأحرف العربية. وفريدريك الثاني كان أيضا متعلقا بشدة بالثقافة والعلوم العربية والإسلامية وحريصا على ترجمتها، وهو هيمان بعاداتها، وكان ذلك يغضب رجال الدين المسيحيين ويعدونه من الهرطقة. فسبحان مغير الأحوال، ولكن الدنيا دول، ولنا عودة إن شاء الله.
ومن الأمثلة على التقليد الأعمى والهرولة خلف الآخرين، أنه روي أن لباس الكعب العالي كان أصلا للرجال في القرن التاسع الميلادي من أجل تثبت الأرجل في سرج الخيل، وكذلك الارتفاع عن القاذورات عند المشي في الطرقات. ويذكر أيضا أن لويس الرابع عشر لبسه بارتفاع 10 سنتميتر لأنه كان قصير القامة، وتبعه النبلاء وأصبحت تلك هي الموضة، ولحق بهم عامة الناس، ثم انتقلت الموضة إلى النساء تقليدا للرجال. فهل تساءل أحد لماذا لبسوه؟، وهل يناسبني أو يتأقلم مع كل شخص الطويل منهم والقصير؟!. وصدق من قال: إذا عرف السبب بطل العجب، ولكن الأشد عجبا هو التقليد دون معرفة السبب.
وهناك من يبحث عن التقليد من أجل الشهرة وليتحدث عنه الناس ويشار إليه بأنه من أوائل من قام بها. والبعض للأسف يعتبره انجازا شخصيا في مسيرته سواء كان العمل حسنا أو قبيحا، ولينشره في مواقع التواصل الاجتماعي كمنجزات السيرة الذاتية. والحقيقة أن أهل الشهرة يدفعون ضريبة غالية من خصوصية حياتهم وحياة أسرهم، واسألوهم إن كانوا يعترفون؟.
إن الخروج من عباءة التقليد الأهوج إلى التقليد النافع مثل: غاندي في صموده وبساطته أو نيوتن في قلة نومه من أجل العلم، أو الطبري في كثرة مصنفاته يحتاج إلى رجاحة عقل وانضباط وصبر. وهو الطريق الأصعب ولكنه الألذ والأنفع.
ودعونا على أقل تقدير أن نفكر في كل مرة تظهر فيها صرعة أو موضة مجنونة أو تقليعة غريبة أن نسأل أنفسنا مجددا لماذا هم لا يقلدوننا؟