في الواقع إن البريطانيين كانوا قد ابتكروا أيضاً لعبة الكريكيت، التي تفوقت فيها بعض شعوب المستعمرات البريطانية السابقة، مثل الهند وسريلانكا وأستراليا وبعض البلدان الأفريقية. لكن هذه اللعبة بقيت شعبيتها ضئيلة، ولا تقام لها مسابقات عالمية تشترك فيها أغلب بلدان العالم، وتسعى للتنافس على المواقع المتقدمة في مسابقاتها العالمية والقارية، كما هي الحال في لعبة كرة القدم. والأمر نفسه ينطبق على كرة السلة والبيسبول، التي طورها الأمريكيون، وقد أصبح للأولى منهما مسابقة عالمية، لكنها محدودة الأهمية، أما الثانية فبقيت محلية خالصة. وكذلك ينطبق على كثير من الرياضات ذات الاهتمام المحلي أو الإقليمي في عدد من مناطق العالم، كالشطرنج (ذات التاريخ العريق) والمصارعة وبعض الألعاب الأولمبية التي يهتم بها الناس في أيام مسابقاتها النهائية، لكنها لا تستحوذ على الاهتمام وتصرف عليها الأموال الطائلة، مثلما هي الحال في كرة القدم.
وقد تبادر إلى ذهني سؤال كان يؤرقني منذ أمد بعيد، هو: لماذا لم يستطع البشر الآخرون في العصر الحديث أن يبتكروا لعبة أخرى طيلة هذه العقود الطويلة؛ تكون أقل عنفاً وأكثر جاذبية من لعبة يستمر زمنها ساعة ونصف الساعة أو أكثر، دون أن تكون الإثارة فيها إلا لمرة أو مرتين في أغلب مبارياتها، وتكون مملة في عدد غير قليل منها؟ أطرح مثل هذا السؤال، لما أرى من تحوّل هذه اللعبة من فن ورياضة بدنية وتسلية للجمهور إلى صناعة لأصحاب رؤوس الأموال من ملّاك أندية ومعلنين ومضاربين وأصحاب قنوات رياضية لنقل مبارياتها، على حساب المشاهدين المغلوبين على أمرهم. فلم تعد المتعة هي التي تحدد تشكيلة الفرق وطرق اللعب وسير المباريات، بل الحسابات المعقدة للأرباح والخسائر، التي يحققها الفريق الكروي وطوابير المخططين والمنتفعين من خلفه، أو الأهداف المعلنة أو غير المعلنة لتوزيع بطاقات استضافة المونديال العالمي كل أربع سنوات، وما يجري في كواليس تلك المنظمة العالمية واتحاداتها القارية من مساومات وفضائح بعضها يظهر للعلن، وبعضها الآخر لن ينكشف إلا في حقبة لاحقة لا يكون القول الفصل فيها لتلك القوى المهيمنة.