يكتشف العراقيون، وتحديدا في مناطق الجنوب يومًا بعد يوم أن غبطتهم بسقوط النظام السابق قد أنستهم تماما البديل الذي تسلل إليهم شادّاً عضده بإيران، التي تغلغلتْ في مفاصل حياتهم السياسية والاقتصادية، مستغلة شعاراتها الطائفية لتأمين موطئ قدم لها هناك، وذلك بغية دفع العراقيين إلى مزيد من الصراع على الهوية المذهبية لتتفرغ هي لنهب ثروات بلادهم، والتحكم بمصيرها عبر رجالاتها كنوري المالكي وغيره، حيث بات العراق فعلا كالمستجير من الرمضاء بالنار، إذ لم تفلح حتى الآن سياسات إعادة البناء في سد لقمة الجياع في كافة محافظات العراق الغني بثرواته ورجالاته قبل أن تمزقه طائفية إيران، وتجعل الكثير من مدنه وبلداته تشكو ضعف وسوء الخدمات الضرورية، وبالأخص في مثل هذه الأجواء اللاهبة من شهر يوليو، حيث هبت المظاهرات الشعبية في العديد من مدن الجنوب مثل كربلاء، والنجف، والناصرية والعمارة، وميسان احتجاجا على انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، إلى جانب المطالبة بتحسين واقع مياه الشرب، ومعالجة البطالة والظروف المعيشية القاسية التي كشرت عن أنيابها نتيجة الفساد، واستشراء الذراع الإيرانية في الداخل عبر أزلامها الذين تفرغوا لسرقة العراق والعراقيين.
ورغم أن هذه المظاهرات قد بدأت سلمية، إلا أنها، ومع تزايد أعدادها وامتداد شرارتها إلى معظم مناطق الجنوب، قد أخذت منعطفا خطيرا، خاصة بعد اقتحام محافظة ميسان وتخريب محتوياتها، ومقتل شخص وإصابة آخرين قرب حقل القرنة 2، وهي الأحداث التي تنذر بالكثير من العواقب جراء استفحال الدور الإيراني الشرير في الداخل العراقي، ليبقى هكذا مجرد ساحة لمغامرات معممي طهران، ومنفذًا لعبور فيالقها إلى منطقة الهلال الخصيب لإحكام سيطرة نظام الملالي، والاستمرار في دعم حلفائه في جنوب لبنان وقطاع غزة.
واللافت أن هذه المظاهرات ربما تكون بداية اليقظة لما أنجزه التدخل الإيراني من الخراب السياسي والاقتصادي والخدمي، وإلى ما تضمره لهم ولبلادهم سنة وشيعة، عربا وكردا من العداوة والأحقاد التاريخية، ليتجاوزوا خلافاتهم المفتعلة، ويوحدوا كلمتهم بوضع أيديهم بأيدي أشقائهم العرب، وفي طليعتهم المملكة التي استقبلتهم بعيدا عن الشعارات الطائفية لينقذوا بلادهم من براثن الحقد الإيراني، ويستردوا له قراره ليعود من طهران إلى بغداد، وإلى أبناء العراق، ويستعيدوا سيادتهم كاملة غير منقوصة، قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه.
فهل وصلت الرسالة؟.