DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الصديق الذي يضيء المبهم من النقوش

الصديق الذي يضيء المبهم من النقوش
فكرة أن تكتب عن الصداقة بإطلاق شيء، وعن صديق لا ترى آثار قدميه بارزة على رمل كلماتك شيء آخر. لا معنى للأولى حين لا ترى حولك سوى الضباب الكثيف، ولا تلمس سوى الأشياء المتشابهة في الوزن والطول، ولا تقول سوى ما تريد اللغة أن تقوله على لسانك عن تاريخ الصداقة وليس الصداقة في التاريخ. لا معنى لها أيضا حين لا تجد نقشا واحدا يضيء كهف الصداقة في حياتك، وإن وجدت واحدا بالصدفة، فلن تجد واحدا من هؤلاء المضيئين يترجم لك المبهم من الرسم، ولا من يفصل في القول في معرفة اليد التي تكتب، ولا من يدل على الأحاسيس التي تجمعت فوق شكله مثل الغبار. أنت المشاء الوحيد في الليل الطويل للصداقة، ولن تبصر سوى الحلكة التي تغطي حتى أرنبة أنفك. لذلك لا معنى لجلب الكلمات واستدعائها على عجل. وكأن مياه الصداقة من فرط غزارتها قد بدأت تتدفق من شقوق الجسد. وكأن ما تخشاه من ماضيك يترسب في الطبقات العميقة للنقش ولا تستطيع تلك المياه جرفه إلى يديك.
على مهلك أيها الغزير بالمعنى، البعيد عن القاع، الخاوي من الصدى. لا تسرف كثيرا بالابتعاد عن حافة الحياة حين تجد حافتك الضائعة في اللغة، فالأمر لا يتطلب سوى الرجوع أكثر من خطوتين كي يصطدم رأسك بالباب الكبير، باب العائلة، فتعرف حينها أنك وصلت. لكن دون نقش أو مياه وبالتالي دون صداقة.
بينما كل المعنى هو في الصديق المسرود في حكاياتك اليومية، ليس الظاهر منه أو المبذول للناس جميعا، الذين يؤولونه على أنه السلم الذي يأخذهم إلى الأعلى، بل هو الباطن الذي يحول ترابك إلى ذهب، هو العلامة المسبوقة بصرخة لا أحد يسمعها سواك، هو الواقف خلفك بمسافات ضوئية. لكنه أيضا الواقف أمامك مثل شجرة تمشي بجذورها وأغصانها وآلامها ولا تحدث جلبة وضجة.
هنا تكمن صعوبة الفصل بين الظاهر والباطن، بين ما ينفتح حتى تراه لامعًا في يديك مثلما هو لامع في مخيلتك، وبين ما ينغلق على أسرارك وأفكارك حتى لا يكاد يشي بنسمة هواء قد تنبه الشارد على أن هناك عودة مشروطة بالأحداث التي تؤسسها صداقتك في أكثر من اتجاه: الأول منها هو تأويل الصديق وإعطاء رمزية لهذا التأويل أي تركيب الصور والجمل والعبارات والمواقف وردود الأفعال في شريط سردي لا ينفك يتجدد في رأسك كلما اكتشفت الطريق إلى الجزيرة المفقودة في عالم تسميه الأصدقاء.
بينما الآخر منها يأتي على شكل تفاسير متروكة على رفوف المكتبات العامة، واضحة للعيان، من دون جهد أو عناء بحيث يمكنك أن تجد ضالتك في إحداها تلبي المعنى الكامل للصداقة حسب ما تمليه عليك تلك التفاسير. سوف تجد نفسك أمام الصديق الذي يفسره الناس لك، وتعطيك صورته بما يتوافق ورغباتها ومصالحها بينما أنت تمضي متواطئا ومقتنعا في بعض الأحيان بما يقولونه. لكن ما لا يمكن أن تكتشفه في مثل هذه الصورة هو، ما يقبع خلفها من فكرة تقول: لا تمض بعيدا عن ذاتك لأن ما يظهر ليس سوى رأس الجبل فقط.
على مهلك أيها الغزير بالمعنى، البعيد عن القاع، الخاوي من الصدى. لا تسرف كثيرا بالابتعاد عن حافة الحياة حين تجد حافتك الضائعة في اللغة، فالأمر لا يتطلب سوى الرجوع أكثر من خطوتين