بينما كل المعنى هو في الصديق المسرود في حكاياتك اليومية، ليس الظاهر منه أو المبذول للناس جميعا، الذين يؤولونه على أنه السلم الذي يأخذهم إلى الأعلى، بل هو الباطن الذي يحول ترابك إلى ذهب، هو العلامة المسبوقة بصرخة لا أحد يسمعها سواك، هو الواقف خلفك بمسافات ضوئية. لكنه أيضا الواقف أمامك مثل شجرة تمشي بجذورها وأغصانها وآلامها ولا تحدث جلبة وضجة.
هنا تكمن صعوبة الفصل بين الظاهر والباطن، بين ما ينفتح حتى تراه لامعًا في يديك مثلما هو لامع في مخيلتك، وبين ما ينغلق على أسرارك وأفكارك حتى لا يكاد يشي بنسمة هواء قد تنبه الشارد على أن هناك عودة مشروطة بالأحداث التي تؤسسها صداقتك في أكثر من اتجاه: الأول منها هو تأويل الصديق وإعطاء رمزية لهذا التأويل أي تركيب الصور والجمل والعبارات والمواقف وردود الأفعال في شريط سردي لا ينفك يتجدد في رأسك كلما اكتشفت الطريق إلى الجزيرة المفقودة في عالم تسميه الأصدقاء.
بينما الآخر منها يأتي على شكل تفاسير متروكة على رفوف المكتبات العامة، واضحة للعيان، من دون جهد أو عناء بحيث يمكنك أن تجد ضالتك في إحداها تلبي المعنى الكامل للصداقة حسب ما تمليه عليك تلك التفاسير. سوف تجد نفسك أمام الصديق الذي يفسره الناس لك، وتعطيك صورته بما يتوافق ورغباتها ومصالحها بينما أنت تمضي متواطئا ومقتنعا في بعض الأحيان بما يقولونه. لكن ما لا يمكن أن تكتشفه في مثل هذه الصورة هو، ما يقبع خلفها من فكرة تقول: لا تمض بعيدا عن ذاتك لأن ما يظهر ليس سوى رأس الجبل فقط.
على مهلك أيها الغزير بالمعنى، البعيد عن القاع، الخاوي من الصدى. لا تسرف كثيرا بالابتعاد عن حافة الحياة حين تجد حافتك الضائعة في اللغة، فالأمر لا يتطلب سوى الرجوع أكثر من خطوتين