أهداف إستراتيجية مهمة تشترك في أبعادها وزارتان وهما «العمل» و«التعليم»، وتلك الأهداف مرتبطة في «رؤية المملكة 2030» فيما يخص تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة لمواءمة احتياجات سوق العمل المستقبلية، وتنمية مهارات الشباب السعودي وحسن الاستفادة منهم مما سيكون له تأثير على توفير بيئة أعمال جاذبة.
بالرجوع للتغيرات التي تمت في الشهر الماضي فيما يخص هيكلة وزارة العمل وذلك بإنشاء وكالة تُعنى بشؤون توظيف السعوديين في القطاع الخاص وتتولى مهام هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة الملغاة، نجد أن أحد أهداف الوكالة المستحدثة سيكون إجراء البحوث والدراسات اللازمة لفهم التحديات والفرص والمؤشرات الخاصة بمنظومة سوق العمل، مع التركيز على المواءمة بين مخرجات التعليم وفرص العمل، ومن هنا تتضح الصورة بأن الوكالة ينبغي عليها التنسيق مع وزارة التعليم في مرحلة هامة وهي مرحلة «ما قبل الانتقال لسوق العمل».
هناك غياب مشترك في التنسيق بين أكثر من جهة ينبغي معالجته حتى نصل لتحقيق الفائدة المرجوة من استثمارنا في مواردنا البشرية، فالانتقال من مرحلة التعليم لسوق العمل مباشرة بدون تهيئة الخريجين يعني أننا لم نشخص قضية البطالة بالشكل الشامل، فمرحلة «ما قبل الانتقال لسوق العمل» ما زالت مجهولة ولم يتم التطرق لأهميتها، ومن خلال إطلاع على سوق العمل وجدت للأسف أن الغالبية من الخريجين غير ملمين بنظام العمل السعودي لمعرفة حقوقهم وواجباتهم، بالإضافة لضعف قدراتهم على كتابة سيرهم الذاتية بالشكل المناسب لتسويق مؤهلاتهم ومهاراتهم، ويفتقدون لكثير من المهارات التي يحتاجها سوق العمل، ومن جانب آخر مازال هناك غياب لتهيئة الخريجين وبخاصة المبتعثون منهم قبل تخرجهم، فللأسف نجد أن سقف توقعاتهم عالٍ جدا خاصة لحملة شهادات البكالوريوس وما فوق، ولا يتماشى مع واقع سوق العمل في ظل المتغيرات العديدة التي طرأت وستطرأ عليه.
من هذا الواقع أرى أنه من المهم وجود تهيئة فعالة للطلاب قبل تخرجهم حتى لا يتم هدر استثمارنا في التعليم، والعمل على تحديد مهارات وكفاءات يحتاجها سوق العمل خلال السنوات القادمة، والبدء في تثقيف الطلاب عليها قبل تخرجهم وذلك باستثمار توجه غرس ثقافة التطوع لدى أفراد المجتمع تماشيا مع رؤية المملكة، فالعديد من الكفاءات السعودية في مختلف مناطق المملكة على أتم الاستعداد لتولي هذه المهمة متى ما أُتيحت الفرصة لهم لنقل ما يملكونه من معرفة ومهارات لغيرهم من الطلاب وينقصهم فقط التنسيق والاعتماد.
الدور الذي ستلعبه وكالة توظيف السعوديين سيكون كبيرا وهاما في المرحلة الحالية، ووجود فروع لها في مختلف مناطق المملكة سيسهل من تحقيق أهدافها التي نتأملها منها وذلك بربطها مع مؤشرات قياس أداء والإعلان عنها بشكل دوري في مختلف مناطق المملكة، ومن المهم أن لا يتم حصر مهام هذه الوكالة في مسماها كوكالة لتوظيف السعوديين فقط، فالمتأمل منها ليس بالقليل ويشمل مراحل عديدة ويحتاج لتنسيق مع جهات أخرى ابتداء من التعليم وحتى نصل لتطبيق ممارسات الإحلال الوظيفي بالشكل الصحيح.
كتبت في مقال سابق عن أهمية وجود برنامج وطني لتنمية مهارات الثروة البشرية السعودية وخصوصا قبل الانتقال لسوق العمل حتى يتم تقليل الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، ومن خلال ما تم تطبيقه سابقا يتضح لي أننا لن ننجح في تقليص معدلات البطالة من خلال أنظمة توطين مُلزمة فقط لأنها ستنصب في الحلول المؤقتة.
ختاما: إستراتيجية التعليم ينبغي أن ترتكز على الميدان أثناء مرحلة الدراسة وليس بالاعتماد على التعليم بالقاعات حتى تكون مخرجاتها جاذبة، وهناك قاعدة مهمة ينبغي عدم تجاهلها وهي أن مشكلة البطالة مشكلة اقتصادية بحتة ولن تجدي الحلول القانونية فيها بشكل انفرادي.