العالم يتطور، وثورات التجديد تندفع بلا حدود لتغير كثيرا من الوقائع والطبائع التي اعتادها الناس، الانترنت عنصر تغير رئيس أنتج اشكالا فرعية من التغير تحتاج المراقبة، والتمحيص من الدراسة على قدرتها للتأثير في الناس، وتمكين الناس بالأدوات الجديدة التأثير في بعضهم إما بالسلب، أو بالإيجاب. الإيجابيات كثيرة ولكننا كبشر نضخم السلبيات لخوفنا منها، ولتأثيرها غير المحمود في حياتنا.
التليفزيون جهاز عظيم، كان محل اشكال في كثير من المجتمعات عندما برز للوجود أول مرة، ومع استقرار، واستمرار حياة الناس به، ومعه أصبح أداة تنموية، وجزءا من الخطاب السيادي للدول. التغيرات الحديثة التي تطرأ على التليفزيون عبر تدفق الانترنت واتاحتها الفرصة للناس البسطاء وغير المختصين أحيانا ليكونوا من ضمن المادة التليفزيونية ينطوي على خطر من نوع خاص. هذا الخطر يحتاج للدراسة وللبحث، وتناوله هنا يعني فقط تناول جزء من جبل الجليد الظاهر من المعضلة.
تطور عمل التليفزيون في حياة الناس كان محكوما بنمطية ما تمثلت في الاشراف المباشر للسلطات المختصة على ما يعرض للناس، وما يشكل جزءا من ذهنيتهم، كما كانت ساعات البث المقننة لعمل التليفزيون واحدة من أدوات جعل هذا الجهاز أداة تنشئة اجتماعية.
قبل أن تعرف المجتمعات المعاصرة قفزة الانترنت، فقدت السلط الحكومية ميزة البث المقنن المحدود بخاصية الوقت، واقبلت السلط الرسمية على استثمار هذه الخاصية بتكثيف رسائلها المنتقاة عبر حزم من البرامج والاخبار الترفيهية، وجاء ضمن حزمة تطورات ظهور القنوات الخاصة، التي أصبحت لا تلتزم بما يتوجب ان تطبقه التليفزيونات الحكومية، وجاء التغير الأكبر عبر الانترنت وإتاحة الفرصة للناس ليقدموا مواد تستخدمها التلفزيونات الخاصة، وحتى الحكومية وتكون تلك المواد محملة برسائل «غير دقيقة» حول معان وحقائق يعرفها المختصون على الأقل. خطورة هذه الخطوة تكمن في ان بعض الوصفات التي أصبحت رائجة ومحل قبول عالمي تقدم في عالمنا العربي بطريقة غريبة، الاغرب أن من يقدم هذه الوصفات ليسوا مختصين، أو لهم رأي خاص وخاص جدا يكاد يكون في سياق مختلف عن واقع المعلومة الحقيقية.
سأوضح ما اعنيه في فقرتين، الأولى مقطع عرضته تليفزيونات خاصة في الفترة الماضية لممثل له شعبية كبيرة يتحدث فيه عن الديموقراطية ويرى أن إمكانية استثمارها في بعض المجتمعات مستحيل، لان هذه المجتمعات غير جديرة بها، لأنها تعودت اشكالا خاصة من التعامل. كان الحديث أو الحوار التليفزيوني يدار بشكل ساخر. هنا لا أحد يدافع عن الديمقراطية املا في استجلابها كما يفهم من المشهد بل للقول بأنها تناسب مجتمعات، ونجحت فيها، ومجتمعات أخرى تختار طريقتها بنفسها، ومنها المجتمعات التي كان يتحدث عنها المقطع. نقطة مهمة وهي أن يتحدث ممثل، أو لاعب كرة قدم للناس في مقطع أو مشهد تليفزيوني وينقل التليفزيون هذه المادة لتكون جزءا من ثروتهم المعرفية والثقافية، هنا تكون المخاطرة. أما بخصوص حديث بعض المختصين السلبي حول بعض المعلومات فلعل أشهر ما مر بي حول نفس الموضوع حديث مسجل تتناقله بعض القنوات للعقيد معمر القذافي كان يتحدث حول نفس المفهوم، ويقول الرجل بوضوح إن الكلمة عربية! وتعني الجلوس على الكراسي. ثم يفصل وبهدوء في تأصيل المصطلح ليصل لنتيجة أن المقصود من المعنى يذهب على أن الدهماء أي العامة من الناس تجلس على الكراسي، أي كراسي المشاركة في الإدارة! وهذا يبين توجه الرجل في حينها للانتقاص من المصطلح لأنه كان يعتقد انه جاء بالنظرية العالمية الثالثة التي تجاوزت الديموقراطية إلى أن يحكم الناس أنفسهم بأنفسهم. وهذه مقولة اختفت وكأن لم يسمع بها أحد. رغم أن التليفزيون الحكومي الليبي كان يبث فصولا من الكتاب الأخضر الذي يبشر بها أطراف الليل وآناء النهار.