ثمة رسالة ما، تبثها تباعا حزم الأوامر الملكية الكريمة التي صدر آخرها حتى الآن قبل بضعة أيام، وهي رسالة ضمنية يجليها العدد الكبير لتلك الأوامر، والأسماء الكثيرة التي تدخل إلى سدة المسؤولية أو تخرج منها، وهي إحدى سمات عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمين، والذي يتميز بالحركة والفاعلية والدينامية، والتعامل مع الوقت بمسؤولية كبيرة، تقول هذه الرسالة: إن الوظيفة العامة ليست ملكية مطلقة لشاغلها، ولا هي مكافأة لمن يشغلها، وإنما هي رسالة وطنية بالدرجة الأولى والأخيرة، وأن كافة أبناء الوطن بالتالي مرشحين بكفاءتهم وتأهيلهم لخدمة بلادهم في أي موقع، وفي أي لحظة، بمعنى آخر أن الوظيفة العامة ليست منحة ولا هي هبة، وإنما هي ميدان للتنافس الشريف في خدمة الوطن، والسباق في ترقية الفكر الإداري بشكل خلاق، يثري ساحة العمل، وينجز لحساب الوطن بأفضل ما لديه.
هذه الرسالة، من الواضح أنها جعلت ذلك الكرسي الوثير الذي كان يمنح صاحبه شيئا من «البريستيج»، والصفة الاعتبارية، وقد تمتد فيه الخدمة إلى «أيما الأجلين»، ما عاد في عهد الحزم، عهد الرؤية الشفافة، يستوعب ذلك المعنى الذي قد تكون مخرجاته فيه أقل من حجم مكوثه عليه، لأن العهد الجديد حوله إلى كرسي أكثر سخونة، وعلى من يأتي إليه أن يكون على أهبة الاستعداد لحفظ توازنه عليه عبر قدرته على التفكير خارج الصندوق، وعلى الإبداع في الخدمة، والتفاني في ملئه بالعطاء المتدفق والمنجزات، لأن الفلسفة الإدارية التي تدار بها الدولة اليوم أرادت بمنتهى النباهة أن تحرر وظيفة الحكومة من تلك العوالق والترسبات التي طالما أحاطت بها، حتى أصبحت في نظر البعض الملاذ الآمن إلى سنوات وسنوات وحتى بلوغ التقاعد، هذه الفكرة من الواضح أنها بدأت تتكسر على صخرة إدارة الحزم، وتتحطم بفعل محددات الرؤية التي تحسب مدخلاتها ومخرجاتها بعامل الوقت، وهذا ما أوجد هذا الحراك الدؤوب في كراسي المسؤولية، وحفز الجميع على انتظار فرصهم لخدمة بلادهم من خلال بذل الجهد، والتألق في التفكير، وأفرغ كرسي المسؤولية من الشحنات السلبية التي كانت فيما سبق هي إحدى أبرز سمات بيروقراطيته وبطء حركته.