كتبت في هذا الموضوع مراراً لما له من أهمية بالغة وأثر كبير في بناء الشخصية لأعز من نحب، والذين هم بلا شك امتداد لحياتنا.
أبدأ بالوراثة الاثر المباشر في تحديد شخصية الفرد، الميراث الخلقي الذي ينحدر من الاجداد الى الآباء، فالأبناء فالأحفاد، اجيال متعاقبة جيلا بعد جيل، وقد أكد ذلك لنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس).
السؤال هنا: ما حال ابناء الذين يتزوجون من اجنبيات؟ الخال امريكي، او الجد فرنسي او الجدة يونانية على سبيل المثال.
فليس للطفل ان يختار اباه او امه ولكن من حقه على ابيه ان يختار له الأم والخال والخالة والجد لامه، والجدة.
اما البيت فهو القاعدة الثانية من القواعد الاساسية للبناء لأنه المجتمع الصغير، والمدرسة الاولى للطفل، هذا إذا أصلح، فعلى قدر قوة وسلامة اجهزة هذا المصنع، وانضباط العمل فيه يكون الناتج البشري.
ومن مقومات نجاح هذا المصنع احساس الطفل فيه بالأمن والطمأنينة، وأسوأ ما يمكن ان يعيش فيه الطفل منزل يكثر فيه الشجار، خاصة في السنوات الخمس الاولى من عمره، حيث لا يشعر فيه إلا بالحيرة والقلق والخوف، لذا كان حفاظ الابوين على الاستقرار النفسي للأسرة وانسجام العلاقات الزوجية فيها ضرورة لا يجب ان يستهان بها، فلابد من استقرار البيئة الاولى التي تعلم الطفل التراث الاجتماعي، والكلام، والعادات، والعرف، والظواهر الاجتماعية المختلفة، فالخطر كل الخطر في البيت حيث تصنع الاخلاق ويوجه السلوك.
وعندما يجتاز الطفل هذه المرحلة تحتضنه المدرسة وهي القاعدة الثالثة من قواعد البناء حيث تكمل نموه ونضجه بالتعاون مع البيت ويتشكل القطبان الاساسيان في بناء العملية التربوية والتعليمية، اما القاعدة الاساسية الهامة والاخيرة فهي الرفقة او الاصدقاء، وهي سلاح ذو حدين اذا لم يحسن الوالدان والمربون تدريب ابنائهم على استعماله منذ الصغر وقبل بلوغ السن الخطرة، سن المراهقة سن التمرد والنزوع الى الاستقلال، فالرفقة السيئة يجب حسمها منذ البداية وتعريف الطفل اسباب هذا الحسم وما له من تأثير سيئ عليه، بعضهم يطيع وبعضهم ينقاد الى تلك الصحبة اما لحاجتهم المؤقتة للتمرد لتأكيد استقلاليتهم، او بسبب تشابه الميول لديهم، او بسبب احتياجهم للصحبة لفقدان صداقة الوالدين والمعلمين، او بسبب ظهور مشكلات السلوك غير السوي لديهم بسبب التماثل في الميول المنحرفة.
من هنا يظهر مدى اهتمام الوالدين والمربين وحرصهم على بناء شخصيات الابناء بناء قويا.
ومن البناء المبني على أساس صلب تجنيد كافة الجهود لاختيار الاصدقاء، من خلال التحري وبدقة عن هؤلاء الاصدقاء، وحبذا الجلوس معهم لمعرفتهم أكثر ومعرفة انظمة القيم لديهم، كما انه يجب تعويد الابناء وتوجيههم لاختيار اصدقاء من زملائهم في المدرسة، وفي النادي، ومن ابناء الاقارب والاصدقاء المشهود لهم بالأخلاق الحسنة والتربية الصالحة، ويكفينا تأكيدا حديث سيد البشر عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم: (المرء على دين خليله، فلينظر احدكم من يخالل)، توجيه تربوي بليغ.. وفي رأيي ان صحبة الوالدين لأبنائهم وبناتهم تجعلهم في غنى عن البحث عن اصدقاء في مكان اخر. أبناؤنا أمانة وسأكتب عن هذه الأمانة ما قدر لي الله أن أكتب.