حزنتُ كثيرًا على غياب الموسيقار سراج عمر -يرحمه الله- أحد أبرز رموز الثقافة الفنية في بلادنا، وحزنتُ أكثر عندما علمتُ أنه عاش أواخر حياته في ظروف صعبة، وعانى جحود الوسط الفني، وبالذات أولئك الذين دانت لهم الشهرة ورغد العيش على حساب أعماله التي صاغها لهم ألحانًا كالسحب الماطرة من خصوبة وجدانه ليلقوها في أسماع عشاقهم أنغامًا شفيفة، ويزرعوها حقولًا للنغم الحيّ الذي يكاد أن يجعل لموسيقاهم ألسنةً من الشوق.
في الفن كما في غيره سوق للإبداع، وآخر للتجارة، وليس من حقنا أيّا كان الأمر أن نغلظ العتب على من تاجروا بذائقة سراج، ولم يوفوها حقها؛ لأن العتب كل العتب على مؤسسات الثقافة والفن التي تجاهلتْ السؤال عن هذا الموسيقار الكبير الذي مسّه ألم الجحود فأحرق معظم أعماله؛ لأنه رأى أن من لم يقدرها في حياته فليس جديرًا أن يفعل ذلك بعد وفاته، ومصدر عتبنا عليها لأننا نرى فيها حامية الوجدان الوطني، والمعنية بألا يتحوّل الفن إلى سوق للتجارة، لأنها متى سمحتْ بهذا فإنها ستهدم كل ذاكرتنا الفنية، وتحيلها إلى أنقاض سلعة بائرة، خاصة مع أولئك الذين تعاملوا مع الفن كرسالة مثل طلال وسراج وغازي علي وغيرهم ممن اختطفهم الفن وصرفهم عن البحث عن القوت. وتحديدًا بعد غياب النبيل جدا فيصل بن فهد الذي أخذ على عاتقه شخصيًا تلمس حاجات المبدعين الذين تفرغوا للإبداع، ولم يفاصلوا عليه، وإنما بحثوا له عن أكفأ الحناجر التي تؤديه كما ينبغي وحسب.
لو لم يقدم سراج عمر سوى نشيد «بلادي بلادي منار الهدى»، والذي تحوّل إلى نشيد وطني بامتياز بمحاذاة النشيد الوطني الرسمي لكفاه خلودًا في ذاكرة الوطن كثيمة للفن الحديث، ووشمًا لروح الانتماء الذي يستحق عليه أن يجد من التقدير ما يكفل لمبدع مثله الحياة الكريمة، أما وقد حصل ما حصل فليس أقل من أن تلتفت الوزارة الموقرة إلى عائلته كجزء من الوفاء لهذا الرمز الوطني، وهذا أقل تكريم يمكن أن يقدم له بعد وفاته، وبعد أن ترك لنا أجمل نشيد مازال يُشعرنا كلما سمعناه كما لو أنه مصل لأنبغ الحب.