في حياة الناس يردد الجميع أن الأمور طيبة، وان الحياة مستقرة، والحال على ما يرام. ولكن عندما يتفحص المرء حدثا مهما مثل «مؤتمر ميونخ للأمن» يجتمع فيه الساسة والعسكريون وأهل التخطيط الإستراتيجي والمؤسسات البحثية الرصينة ليتلمسوا المشهد العام لوضع السلم، والأمن الدوليين المبنى بالضرورة على استقرار الوحدات السياسية «الدول» ثم المجتمعات الإقليمية، ومن بعد العالم بقواه الفاعلة في انتاج وصناعة الاستقرار، والرخاء. يجد أن العالم يعيش حالة صعبة، بل متقدمة الصعوبة، ويكفي ان نعرف أن العنوان الأبرز لتقرير المؤتمر في دورته الأخيرة وهي الرابعة والخمسون جاء تحت عنوان «العالم بلغ حافة الهاوية ثم تراجع»، وهذا العنوان وكما أبانت النقاشات التي صاحبت انعقاد دورة المؤتمر يعكس في رأي كثير من المراقبين التغييرات الحادة التي تشهدها الساحة الدولية في المرحلة الراهنة. ولعل استبطان ذلك العنوان يضع أيدينا على نقاط توتر رئيسة في الكرة الأرضية تبدأ من المشادات المستمرة التي تحبس أنفاس العالم بين الولايات المتحدة الأمريكية، وكوريا الشمالية. وفي منطقة الشرق الأوسط يراقب العالم السياسات الإيرانية المنفلتة، والتي تدفع بهذا الإقليم الحيوي لأهله وللعالم إلى صراع تشنه إيران على الجانب العربي الرافض للهيمنة والسيطرة من قبلها. والجانب الأوروبي ومراوحاته مع روسيا عبر البوابة الأوكرانية تشكل أيضا بؤرة للتوتر، والتوتير في كوكبنا. نقطة مهمة في كل ما سبق وهي التحذيرات من القوى العلمية، والبحثية التي رصدت مظلة السلام على كوكبنا من أي خطا أو انزلاق نحو القوة سيكون علامة فاصلة على «انهيار النظام الدولي»!! بمعنى أن خطأً قد يرتكب هنا، أو هناك كفيل بتوليد أزمة جيوسياسية. لا يمكن التنبؤ بعواقبها، ولعل المخيف بل المرعب في هذه التحذيرات أن مصطلح الانهيار آخذ بالتزايد في الدراسات البحثية الرصينة، وكأن هناك حالة من القراءة الأولية أو القبلية لشكل النظام الذي يحفظ سلامة العالم وتلمس حجم الحفر، والمطبات السياسية والاقتصادية، والعسكرية التي بدأت تهيمن على المشهد في إعلان لنهاية مرحلة لم يكن العالم فيها سعيداً بما يكفي، وبداية مرحلة أخرى لا أحد يضمن للعالم فيها استقرارا أكيدا.
هذه كانت الرؤية العامة للعالم من وجهة نظر العارفين، والمهتمين، وبقيت التحليلات والتكهنات لمستقبل الاستقرار العالمي في العام 2018م وهي في الحقيقة كثيرة وقد لا يتسع لها هذا المقال، لذا سأحاول تلمس أبرزها وخصوصا تلك العناصر، والفقرات الشديدة الصلة بمنطقتنا العربية، وعلاقة القوى الدولية بها.
فيما يتعلق بالجانب الأمريكي بوصفه لاعباً دولياً رئيساً وعلاقته المتوترة بالثورة الإيرانية كما نقرأ كل يوم، ونسمع من تصريحات المسؤولين الأمريكيين وآخرها حديث وزير الخارجية، ومستشار الامن القومي الأمريكيين في ميونخ عن أن الوقت حان لوقف نشاط إيران التخريبي في المنطقة، والعالم، وضرورة ضرب أذرعها في المجتمعات العربية. تذهب التحليلات إلى أن ما يسمى باتفاق واحد زائداً خمسة قد يصمد في المرحلة المقبلة، ولكنه سيبقى المحور الرئيس الذي يدور حوله التوتر الإيراني الأمريكي، وربما الأوروبي، يضاف إلى ذلك أن الرصد المتراكم للمواقف الامريكية من الانفلات الإيراني الإقليمي يشير إلى توجه الإدارة الامريكية إلى إيقاف ذلك الانفلات، ولكن لم يتطرق أحد إلى الأدوات التي ستستخدم في ذلك ويرجح أن تكون الأدوات السياسية، والدبلوماسية وتفعيل شيء من العقوبات. إما على مخالفات الصواريخ الباليستية التي تهدد المنطقة، والعالم، أو على الدعم البين للارهاب، وأحداث العنف في العالم، أو لانتهاكات حقوق الإنسان التي جاءت بها الثورة. في المؤتمر كان هناك حديث عن الشعوبية وخطورة استفحالها في منطقة آسيا، وهي معادل آخر للطائفية، والمذهبية التي تنمو في منطقتنا أيضاً برعاية إيرانية. أمن المنطقة والعالم بعد تحذيرات ميونخ مرتبط بسلوك إيراني رشيد، وضغط دولي جاد يعيد الثورة الجامحة إلى واقع الدولة.