الإعلامية اللبنانية الفذة بولا يعقوبيان، قررت تغيير ملاءات الأسرة، بعد مشوار طويل في الصحافة لتتجه أن تكون «ماهنة» سياسية، (ماهِنَة في «الصحاح» فاعلة المهنة، وقال ابن منظور: والماهِنُ: العبد، وفي الصحاح: الخادم). وأؤيد ابن منظور لأن التسييس هو «عبودية» وأعمال سحرة و«ولع» وإدمان صراع قوى بلا قوانين. والاخلاقيات في التسييس وعوالمه خيار شخصي جداً، وهذا ما يجعل السياسة مراوغة مخاتلة ومؤذية ولا خلاق لها.
وستتقدم يعقوبيان، المستنيرة الواقعية الوسطية، للترشح نائبة عن طائفة الأرمن أرثوذكس في الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة، إلى جانب الإعلامية والشاعرة جمانة حداد التي تبدو ليبرالية متشددة. وأنا وسطي ضد التطرف بكل أجناسه.
ولو أني لبناني لانتخبت يعقوبيان، «ِإذْ آثَرَ، الدِّفْءَ والنَّوْمَ، المناخيبُ» (كما يقول أبو خراش الهذلي) لأنها صحفية ملكت قدرة لافتة على القفز في حقول الألغام، وضبط قرائح النفس الأمارة بالحزبية والتبطين وكبح الأنا والسيطرة على النزعة الدعاية، ثم انها، على غير سلائق اللبنانيين، ليست مؤدلجة، مما يعني أنها تتحلي بروح وطنية مستنيرة وعقل غير مصادر.
لفت اهتمامي تبرير يعقوبيان خوضها الانتخابات بقولها إن الإعلاميين والصحفيين هم الأصلح للنيابة البرلمانية، أكثر من المهندسين والأطباء. وهذا أولى زلات مرشحتنا، سقاها الله، لأن الإعلاميين والصحفيين، إلا ما رحم ربك، برعوا، وبمهارات عالية، في صناعة «التحزيب» (والتحزيم أيضاً) والخلايا و«الأصنام» وأنواع من وعثاء المفاسد في الوطن العربي، لا يجرؤ الأطباء ولا المهندسون على فعل عشرها، مع أن نقابات الأطباء والمهندسين العرب تحولت إلى ملاذات للإخوان المسلمين واصبحت مدارس لـ«أخونة» المجتمعات والحكومات والتاريخ.
وإذا أخذنا لبنان أنموذجاً، فإن يعقوبيان تعلم أن الإعلاميين هم الذين بنوا الجدران الطائفية في الظلمات في أقدم وطن للنور، ورسموا المتاهات وسمموا العلاقات وحرضوا السياسيين أن يكونوا أكثر طائفية وتزمتاً وسوءاً. والإعلاميون، ما غيرهم، أداروا ظهورهم لفيروز وهي «تنده.. وما في حداً»، وتوجوا المراهقة الفارغة مريام كلينك، سيدة للبهاء والضوء. وهم الذين، بقصد وترصد، قلبوا الهزائم إلى انتصارات والأيديولوجيا الطائفية المقيتة إلى أمجاد للسمو والحرية.
الصورة المقدسة لحسن نصرالله وتحويله إلى إيقونة لا تمس، صنعها إعلاميون محترفون جعلوا الحرية ستار سوء وضلالات، بينما نصرالله مذهبي كهنوتي تكفيري «مسلح» يخدم نظاماً ثيوقراطياً أجنبياً ويعلن صراحة أنه يعمل لتحويل لبنان إلى قاعدة إيرانية. ويعلم بعض الإعلاميين والصحفيين اللبنانيين أن نصرالله يحكم لبنان، ويفرض إرادته و«قيوده» وإرهابه بالسلاح وليس بنورانية الفكر، لكنهم يغمضون عيونهم.
بقي أن نقول إن الموقف السياسي نتاج تربوي تلعب فيه تربية المرء وأخلاقياته بعداً مهماً أكثر من الشهادات والخبرات المهنية. إذ الشهادات والخبرات تمكن المخلص أن يكون أكثر عطاء وسمواً وأكثر تعقلاً ورشدا وإدراكاً، وتمكن السيئ من أن يكون أكثر وضاعة وسفاهة وغلظة.
*وتر
وطن الأرز والحقول ونسائم المتوسط
وشموس فينيقيا الأرجوانية من تاروت حتى صور وقرطاج..
إذ قدموس يشعل شموعه ويضيء البحر وفؤاد عربا..
ويتلو أحيرام الباسل تعاويذ الناووس.. وأفراح اللوتس
ليضيء لبنان روحاً للمتوسط وعقله