دأبت المملكة، منذ تأسيسها، على العمل على توحيد الصف العربي حتى في عز النزاعات، وأحلك الظروف، وبذلت في سبيل ذلك الكثير من الجهد والعمل الدؤوب، وذلك انطلاقا من إيمانها بأن وحدة الأمة السبيل الوحيد للتصدي للمشاريع الإقليمية والدولية التي تسعد بابتعاد هذه الأمة عن بعضها، كما تسعد بتمزق ولاءاتها، واختراق أمنها القومي لصالح الأطماع التي تتكالب عليها من كل حدب وصوب.
كانت أزمة العراق في صميم ضمير هذا الوطن وقيادته السياسية، خاصة بعدما استغلت بعض القوى الإقليمية الظرف السياسي الذي مر به هذا القطر العربي الشقيق بعد سقوط النظام السابق، ولعبت على وتر محاولة اختطافه من محيطه العربي، لضرب وحدة الأمة ببناء ولاءات جديدة قائمة على الاختلافات المذهبية، مما دفع المملكة وأشقاءها العرب للعمل بقوة على مساعدته لبناء ذاته مجددا، والإفاقة من كبوته لمعاودة أداء دوره الرئيس في المنظومة العربية.
ولعل مقررات المؤتمر الذي انعقد في دولة الكويت الشقيقة مؤخرا لصالح إعمار العراق، وما شهده من تقدمات سخية من المملكة والكويت والإمارات لإعادة الإعمار بعد إعلان دحر ميليشيات داعش، والقضاء على الإرهاب، ولملمة محافظاته من جديد بعد تطهيرها، لعل هذا الحدث، الذي اتحد من أجله العراقيون، يؤكد بمنتهى الوضوح حرص المملكة على استعادة العراق الشقيق سريعا لدوره الطليعي في مقدمة الأمة، وقطع الطريق على المتربصين ببلاد الرافدين ومحاولاتهم العقيمة لعزله عن محيطه العربي بشكل يتعارض مع تاريخه وعمقه وثقافته.
من المتوقع أن يسهم هذا الدعم العربي في إعادة العافية لهذا الجزء العزيز من الأمة، وهو ما سيؤسس لاحقا إلى ما سعت ولا تزال تسعى إليه المملكة، وهو أن تبقى هذه الأمة، حتى في فترات الوهن أو التشتت، قادرة على استرداد قواها لتعود من جديد إلى لحمتها وتوحيد صفوفها بما يجعلها مؤهلة بقوة لمواجهة استحقاقات هذه المرحلة بالذات، التي تسللت خلالها بعض الأقدام لتطأ الأرض العربية مدججة بأيدولوجياتها التي تطمع في قضم البلاد العربية الواحدة تلو الأخرى متى ما سنحت لها الفرصة، غير أن هذه المواقف المشرفة التي امتدت لمساعدة العراق وفي هذا الظرف بالتحديد ستكون -بحول الله- هي الضمانة الحقيقية لقطع رأس أحلام الطامعين، والذين ربما توهموا أنه يمكن التفرد بهذه الأمة، والسيطرة على أقطارها الواحد بعد الآخر.