زبرقة، مفردة عامية، ومعناها الضمني معروف للناس، وقد تعني التلميع، وتزيين أمرٍ ما. وإذا حاولنا ان نأخذها إلى أقرب خانة سياسية فقد تعطي معاني الخداع، والكذب، وربما أمورا كثيرة أهم ما فيها أنها كلها تخالف الحق، والحقيقة.
في الأسابيع الماضية تتبعت بعض الاخبار منها ما غص بالزبرقة الفاضحة والآخر جاء عكس الزبرقة وكل معانيها.
سأبدأ بالخبر الذي حمل كل معاني الخداع والتلوين السياسي، وهنا نقرأ الخبر من زاوية التعاطي الاعلامي معه، وهو خبر إسقاط طائرة إسرائيلية بقوات إيرانية جاثمة ومحتلة للأرض السورية، حيث وجدت ماكينة الدعاية الإيرانية منافذ إعلامية عربية لتقول: إنَّ الدولة السورية تقلب معادلة الأمن في المنطقة، وتربك اللاعبين فيها بإسقاط طائرة إسرائيلية!
القنوات تلمع النظام الإيراني الذي لا يود الاحتكاك عسكريا مع الآخرين، لان هذه الحدود حمراء لا يمكنه تجاوزها. الشيء الأهم هو كذبة نفخ الحياة في النظام السوري، وإفهام الناس انه تم تأهيله سياسياً، وعسكرياً، للقيام بدور جديد في المنطقة، في الوقت الذي يعرف الجميع ان سوريا منذ العام ٢٠١٣م تراوح بين نظريتي التقسيم والتقاسم للنفوذ من القوى الاقليمية، والدولية، ولَم يعد هناك شيء اسمه سوريا الدولة والنظام الا في حدود جغرافية معينة، تذهب اغلب التحليلات الرصينة الى انها مُبْقى عليها لضرورات التقسيم ولمبررات التقاسم.
إيران بهذه الورطة التي زَجَّ بها فيها اللاعب الدولي بهدف تحريك الوضع والإسراع بإنهاء لُقْمَة الشراكة لم تأت وحيدة، حيث صاحبتها في الداخل الإيراني، وبالتزامن مع ما يسمى ذكرى ثورة الخميني، موجة تحركات واحتجاجات شعبية، في عدة مدن، وصفها الاعلام الإيراني بمطالبات الخونة وغير الإيرانيين، وأياً كان الوصف الاعلامي المخادع لما جرى في الداخل فانه الخميرة التي تتركز مع مرور الزمن لإحداث فعل حقيقي في ايران، ويكفي ان هناك أصواتا إيرانية قالت، وبوضوح: إنَّ ثورتها سُرِقت، بمعنى انها لا تعترف بثورة الخميني التي أَمِل الناس منها البُخور فجاءت لهم بالثبور.
هذا مثال قوى، وواضح على التلون والتلوين السياسي للحقائق والاحداث، في العالم الثالث. يقابل ذلك أمور تخلو من الزبرقة السياسية، وحدثت في العالم المتقدم الحدث الاول في هولندا التي احتفلت حكومتها مؤخرا بإغلاق خمسة سجون نظرا لتقلص عدد السجناء الذي يعني أمرين، مستوى الأمن العالي في البلاد، والذي يصاحبه بشكل طردي انخفاض مستوى الجريمة، حتى ان اجمالي المساجين اذا صدقت التقارير الإعلامية يقل بكثير عن عدد العاملين في قطاع السجون!
الأكثر دهشة، ولكيلا يتأثر عمل قطاع السجون، أن هولندا استقدمت ٢٠٠ سجين لقضاء عقوبتهم في سجونها من السويد.
الحدث الثاني من امريكا الشمالية ومن كندا تحديداً حيث ضحى رئيس الوزراء الكندي الشاب بأصول الزبرقة والمحافظة على تناسق اللباس في مؤتمر عالمي وارتدى جوارب باللون الأصفر وعليها صور بط. وكان هذا الفعل محل انتقاد واستغراب المشاركين؛ الى ان عرفونا ان الرجل يروج لشركة تنتج تلك الجوارب، والشركة مملوكة لأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
الزبرقة في كل شيء حتى في السياسة، المحبط ان أنظمة وشعوبا لا تخجل من الإمعان في التلون والتلوين، بينما العالم من حولها يجتهد في العمل الجاد الذي ينفع الناس، كل الناس.