افتقدنا ذاك الزمان الجميل يوم كان الحي الواحد أسرة واحدة، الجار يعرف جاره، يلجأ إليه عند الحاجة، ويسأل عنه عندما يغيب، كان نساء الحي اخوات يساعدن بعضهن في الطهي والتنظيف، أما الشباب فكانوا أخوة لا تفرقة بينهم، كان جامع الحي هو نقطة الالتقاء، يسأل عمن يغيب ويعاد من يمرض، وفيه تعقد الصفقات وتُحل المشكلات. اليوم أصبحنا جثثا مجمدة في صناديق خرسانية، وأصبح الجار عدوا إذا ما أوقف سيارته عند منزلك، هناك كَر وفر يومي لمواقف السيارات بالحي، والحقيقة ليس الهدف هو الموقف، ولكن قست القلوب، فلا بد أن نشاحن الجار على أتفه الأسباب.
لعل كثرة العمالة قد خلخلت النسيج الاجتماعي فيما بيننا، ولعل عدم امتلاك منزل للغالبية وتنقلهم بين الأحياء هو سبب منطقي، المشكلة الأكبر أن داخل البيت الواحد أصبحت هناك فجوة في الأسرة الواحدة، فالأب لا يقابل ابناءه إلا ما ندر، والأم مشغولة في «السناب» والمسلسلات، والأبناء يجوبون الشوارع والكافيهات ليل نهار.
أتوقع أن نعود يومًا إلى ما كنا عليه، فهو الشيء البديهي والفطري، فالإنسان بطبعه يأنس إلى من بجواره، فرفقًا بجيرانكم، ورفقًا بأبنائكم.