ما الأفضل؟ أن يكون لدينا منتزه واحد كبير أم عدد كبير من الحدائق الصغيرة؟ إن كان علينا الاختيار فإن الدراسات أثبتت أن عددًا كبيرًا من الحدائق هو الأفضل. فليس من المفيد أن نعرف بوجود منتزه كبير قد لا نزوره بل إن التعرض اليومي للطبيعة هو ما نحتاجه. فالطبيعة تزيل الإجهاد وتجدد الطاقة وتسمح بالتأمل وتبعث على التوازن النفسي وغيرها من الفوائد الكثيرة.
إن كنا نطمح لرفاهية المعيشة فأحد أبسط الحلول هو زيادة المسطحات الخضراء والأماكن المفتوحة وفرص التعرض للطبيعة. إن جزءًا من تلك الفائدة قد يأتي من التعرض لمنظرها فقط، ولكن الفائدة الأكبر تأتي من وجودنا فيها بشكل متكرر.
إن المسطحات الخضراء كذلك من العوامل التي تقلل الجريمة. ففي دراسة أجريت في مجمع إسكان في شيكاغو قارن الباحثون بين الأفنية التي تمت زراعتها و تلك التي تركت دون أي غطاء نباتي ووجدوا أنه إضافة إلى تحول تلك التي بها نباتات إلى ما يشبه المجالس الخارجية كانت نسبة الجرائم المرتكبة نصف التي ارتكبت في الأفنية العارية. كما أن السكان الذين تطل شققهم على الخرسانة عبروا عن الإحساس بالإجهاد النفسي.
إن مسألة الحدائق ليست فقط مشكلة عدد أو مساحات تقاس بالمتر المربع لكل شخص في المدينة، بل إنها بالأساس مسألة جودة. فمسطحات خضراء تتوسطها أشجار وأرصفة معبدة كثيرة يعتبر تأثيرها الإيجابي قليلًا مقارنة بحدائق تحاكي التنوع الطبيعي من حيث الغطاء النباتي والأشكال والألوان والارتفاعات المختلفة. ففي دراسة قام بها عالم الأحياء ريتشارد فولر (Richard Fuller) وجد أنه كلما كانت الحديقة تمتاز بتركيبة متنوعة زاد إحساس مرتاديها بالصحة وبالاستقرار.
إن المتعة البصرية والحسية التي نستمدها من طبيعة عذراء لا تقارن بالمحاولات المتواضعة التي نراها داخل أحيائنا. أحيانا رغم معرفتنا بما نحتاجه وما يجلب لنا السعادة لا نختار ما يخدمنا. فهناك فرق بين الطبيعة التي نفضلها والتي نستفيد منها، وبين ما هو متوفر في مدننا وما نحتاجه بالفعل.
أحياؤنا مشاريع طمس وتقسيم لكل ما كان من تضاريس طبيعية وما يسمى فيها الحديقة لا يرتقي لطموحنا ولا يتماشى مع آمالنا. إن التعرض اليومي للطبيعة مطلب أساسي وذلك من خلال حدائق بشتى المقاسات. من الساحة الصغيرة إلى المنتزه الوطني.. من حقنا أن ننعم بخيرات الطبيعة بشكل أكبر.